مسيرة الدليل >> نور على نور >> قواعد مرجعية نور السنة

قواعد مرجعية نور السنة

نذكر فيما يلي ما تيسّر مِن قواعد مرجعيّة السنّة

الشّريفة ولزوم العمل بها.

 

    إنّ السنّةَ الشّريفة مع القرآن الكريم هما مرجِعَا شرع الدّين الإسلامي للنّاس قاطبة منذ البعثة المحمّديّة ، ولا تَدَيُّنَ لأحدٍ مهما كان جنسه أو جيله أو وطنه أو لونه أو لغته إلاّ بالاعْتِراف والعمل بهمَا معًا بقدْر الاستطاعة ، مع اجتناب ما وقع النّهي عنه كُلّيا وبصفةٍ مستمرّةٍ. ومَنْ تركَ السنّةَ فلن ينْفعه الكتابُ، ومَنْ تركَ الكتابَ فلن تنْفعه السنّةُ، والنّفع لا يكون إلاّ بالاثنين معًا.

    وفيما يلي نقدّم المشروعيّة الرَبّانيّة للسنّة الشّريفة مِنْ آياتٍ قرآنيةٍ وأحاديث نَبويّة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ 136 النّساء.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ¤ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً 64-65 النّساء.

 

﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ¤ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 15-16 المائدة.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ¤ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً 174-175 النّساء.

﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ105 النّساء.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 35 المائدة.

﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ¤ اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ 1-2 إبراهيم.

  إنّ مَنْ رفضَ طاعةَ الرّسولِ فقد رفضَ الهداية تمامًا ولا حظّ له في الإسلام -ولو عمل مِنَ الأعمال الصّالحات- لأنّه صلّى الله عليه وسلّم هَادٍ ، وقد نَسب له ربّه هذا ٱلاسم وتجلّى عليه به ليَهدِيَ النّاسَ كما ذُكر بالآية: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 52 الشورى. فالله عزّ وجلّ أذِنَ له في هِداية النّاسِ ويسّرها له ، والآيات كذلك صريحةٌ مِن أنّ سنّته صلّى الله عليه وسلّم يَجبُ أنْ نعمل بها بدون تردّد ولا ريب. ومكّنه اللهُ جلّ وعلا في مقام التّشريع ولذلك يُسمّى الشّـارع صلّى الله عليه وسلّم. والأدلّة على ذلك كثيرة.

1- التأييد مـن الكـتاب كما يلي :

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ 10 الفتح. ولو اعتمدنا مجرّد هذه الآية دون غيرها في عظمةِ وقيمةِ سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وقيمة ما جاء به مِنْ شرع الكتاب والسنّة لكانت كافية ، غير أنّه لا بأس بزيادة ما فيه نفع.

﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [4 الشرح]. فأقـلّ ما يُقال في هذا الشأن ذِكْـرُه في الشّهادة والآذان ، زيادة على رفع قيمته ومعناه.

﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ¤ رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ 10-11 الطّلاق. فهو صلّى الله عليه وسلّم ذِكرٌ يُذكِّرنا ونَذْكُره بالطّاعات وبالصّلاة والسلامِ عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

      وقد قال الإمام محمد شرف الدّين البُوصيري رحمه الله في شأن آيات القرآن:

 

وكالصّراط وكالميزان معدلة   فالقسط مِن غيرها في النّاس لَم يقم

 

كما نرى أحوالَ النّاس اليومَ الّذين يَدّعون القسطَ ، ويُمارسون فُنُونَه تحت عنوان "الدّيمقراطيّة" بدلاً مِن الكتاب ، والحالُ لا قِسطَ ، لأنّ قِسْطَهم الّذي زعموه غير مُرَكّز على شرع الله تعالى ، وديمقراطيتهم حسب الأهواء والشّهوات ، وليست حسب الأوامِر والنّواهي -الكتاب والسنّة والله يقول: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [5 الصّفّ].

 

    وعلينا أنْ ننصحَ هؤلاء ونقول لهم: ارْغبوا فيما عند الله خيرٌ لكم مِنَ الرّغبة فيما عند النّاس. وتوبـوا إلى الله جميعًا وٱعبدوه مخلِصين له الدّين ، فإنّه سبحانه وتعالى غافـرُ الذّنب وقابل التّوب رحيمٌ ودود.

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ¤ وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً [45-46 الأحزاب].

فهذا النبيّ سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد أرسله الله سبحانه وتعالى:

   1- شاهدًا على النّاس بما له مِن حُجج عليهم قد بلّغهم إيّاها.

   2- ومُبشّرا لِمَن سمع فوعى ، وأطاع فعمل ، وعَمل فأخْلص.

   3- ونذيرا بالعذاب لِمَن كفر وعصى وفجَر وتجرّأ على أمْر الله تعالى.

    4- وداعِيًا النّاسَ إلى دين اللهِ كما تُشير الآية الكريمة التالية: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [125 النّحل]. فمَن استجاب مِنهم لأخْذِ السبيل فإنّه يُجدّد له الدّعوة مرّة أخرى إلى اللهِ كما تُشير الآية الكريمة التّاليـة: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ [67 الحج]. لأنّهم في بداية الدّعوة كانوا كافرين ، ثم إنّ الّذين استجابوا منهم كانت بُغْيتهم الجنّة فحسب ، ويُريدون العملَ مِنْ أجلها ، ويَكتفون بذلك عن معرفة الله عزّ وجلّ كما نرى عليه الكثير مِن المؤمنين اليوم ، أمّا في الدّعوة إلى الله فقد تعلو الهِمم وترتفع إلى أعلى القِمم،         وتتعلّق بالمحلّ الأعلى في الذّات العليّة بحيث أنّ الأجسام تكون على الثّرى و الهِمم تكون أرفع مِنَ الثُّريا. وليكن في عِلْمِ الرّاغبين في هذا المقام أنّ معرفةَ اللهِ لا تكون إلاّ بعلْم ، والعِلم لا يكون إلاّ بنورٍ ، والنّور لا يكون إلاّ بذِكْرٍ، والذّكْر لا ينفع إلاّ باستقامة، ولا استقامة إلاّ بشرعٍ ، ولا شرعَ إلاّ بدِين ، ولا دين إلاّ بهداية ، ولا هدايةَ إلاّ بكتاب، ولا كتاب إلاّ ما أنزله العزيز الوهاب: ﴿الم ¤ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ[1-2 البقرة].

  5- وسراجًا منيرا لـمَن اتّبعه واقتدى به وسار على مِنهاجه ، ولذلك قال الله تعالـى:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [37 الحشر]. ولِزيادة الإيضاح نقول فبماذا أتانا هذا الرّسول؟ الجواب نسمعه مِنْ عنده صلّى الله عليه وسلّم: (ألا إني أوتيتُ الكتابَ و مثلَه معه) [رواه أبو داود في سننه عن المقدام بن معد]. فكان مِنْ بين خلْق اللهِ قوْمٌ قد عملوا بما أتاهم الرّسول وأخذوه منه وانتهوا عمّا نهاهم عنه واتَّقُوا الله في السرّ والعلانيّة فكانوا أولياءَ صالحين ٱجتباهم ربُّهم وأكرمَهم وقرّبهم ورفعَ الحجابَ بينه وبينهم ، فطوبى لهؤلاء ولِمَن اتّبعوهم وأحبّوهم أو تشبّهوا بهم على الأقل ، وهم الّذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [7 آل عمران]. أيْ أنّ كل ما جاء به الرّسول مِن كتابٍ وسنّةٍ فهو مِنْ عند الله تعالى.

   ولقائل أنْ يقول: كيف بلغ هؤلاء العلمـاءُ درجةَ الرّسوخ في العلم ؟! هل إنّهم زاولوا تعليمَهم بالمدارس والمعاهد والكليّات والجامعات العُلْيا ونالوا شهادات كبْرى ؟!! أمْ إنّهم على غير ذلك ؟ فيُجيبُه اللهُ تعالى عن سؤاله هذا بقوله: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ [282 البقرة]. إذًا فلاَ عِلْمَ لهم مِنْ كُلّية ولا مِنْ معهد ، إنّما الْمُعلِّم والـمُربّي والمُؤدِّب لهم هو اللهُ تعالى وصدَقَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الّذي قال: (أدّبني ربّي فأحسنَ تأديبي) [ابن السمعاني في أدب الإملاء عن بن مسعود رضي الله عنه]. وطبْعًا فإنّ الرّاسخين في العلم كانوا على ذلك كذلك ، لأنّهم على مِنْهاجه سائرون ، وبسنّته عاملون ، وفي شفاعته راغبون.

 

    وتبعا لِما ذكرنا فنقول: إنّ اللهَ تعالى خاطبَ مؤْمِنِي كلّ زمان ومكان، ومازال يُخاطبُهم للاستجابة كما جاء بالآية الكريمة التالية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ [24 الأنفال]. والحياة هذه لا تكون إلاّ بنورِ العلْمِ الّذي هو مِنْ نورِ اللهِ عزّ وجلّ كما تشير الآية الكريمة التّالية: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا [122 الأنعام].

ومعلوم أنّ الاستجابةَ لأجل الحياة تكون:

1- للهِ تعالى وتكون ضِمن ما جاء به الكتاب.

2- وللرّسول صلّى الله عليه وسلّم وتكون ضمن ما جاء به الكتاب ، وما جاءت به السنّة الشّريفة لأنّ كلَّ ما سنّه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان بإذن الله وَوَحْيٍ منه كما نصّ قوله تعالى:

﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ [38 الرّعد]. ﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [203 الأعراف].

فالسنّةُ والْمُحْكَم والمُتَشابِه كلّها بصائر مِنْ عند الله تعالى. وإنّ سنّةَ اللهِ في خَلْقِـه ماضيةٌ إلى قيام السّاعة كما نصّت الآيـة الكريمة التّالية: ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [43 فاطر].

    فالرّسول سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم هو نفسُه مِنْ سنّةِ اللهِ ، وأمْرُه مِنْ أمْر الله، وحُكْمُه مِنْ حُكْم الله ، ورضاهُ مِنْ رضاءِ اللهِ ، وغضبُه مِنْ غضبِ اللهِ ، وتزْكيَتُه مِنْ تزْكيَةِ اللهِ ، ورحمتُه مِنْ رحمةِ الله. وقد رفع الله شأنَه حيث قال: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [59 النّساء].

 

     لَوْ تأمّلنا ونظرْنا بالعين المجرّدَة وحَكَمْنا بظاهر الشّرع لَكَفَرْنَا ولَقُلْنَا كيف أنّ اللهَ تعالى يَنْهانا عن الشِّركِ ويأْمُرنا به في ردّ الأمْرِ إليه وإلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وٱستغفر الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله فنحن نُنَزِّهُ اللهَ سبحانه وتعالى عن الشِّرك ، ونُنـزِّهه عن أنْ يأْمُرَنا به ، غير أنّه يَفعل ما يَشاء كما جاء بقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [73-74 آل عمران]. فما ذكرناه يُعتبر مِنْ تخصيصِ أمْرِ الله يُؤتيه مَن يشاء مِنْ عباده ويَنْسَبُه إليهم تكرُّمًا عليهم ، وأصالةً كان في حقِّ رسول الله ويكون لمن كان قد اتّبَعه على المنهج القويم ، وإنّنا لا نقْدِر أن نُعبِّر عن قيمةِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وقدْره ومكانتِه عند ربّه عزّ وجلّ القائل: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ¤ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ¤ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ¤ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ ¤ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ¤ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ[38-43 الحاقة].

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ¤ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً [26-27 الجنّ].

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ¤ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ¤ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ¤ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ¤ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [15-19 التكوير].

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [21 الأحزاب].

ورحِمَ الله الإمام محمّد البُوصيري الّذي قال وعبّر بقدر الإمكان عن قيمة وفضل رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم:

 إذا تتبّعتَ آياتِ النّـبيِّ فقـد     ألحقـتَ مُنفخِمًا منهـا بمُنفَخِمِ

ومَن هو الآية العُظمى لِمعتبـرٍ     ومَن هو النّعْمةُ العُظمى لمغتَنـمِ

 

    وفي نهاية المطاف -يوم القيامة- فريقٌ في الجنّة وهم الّذين أطاعوا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وفريقٌ في السّعير وهم الّذين عَصَوْهُ ، وفي الآخرة هم يتحسّرون ويتأسّفون ويَتنَدّمون لعدم اتّخاذهم مع الرّسول سبيلاً كما جاء بالآية الكريمة التّالية: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ¤ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ¤ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً [27-29 الفرقان].

ففي يوم القيامة عندما تظْهَرُ الحقائقُ للنّاس ، وتبْرزُ الجحيمُ للغاوين الظّالمين ، وتقرُب الجنّة للطّائعين المتّقين ، عندها يعضّ الظّالم على يديه مِن شدّة الأسى والأسف والنّدم ويقول كما جاء بالآية أعلاه.

 

- إنّ الرّسولَ المنصوص عليه بالآية أعلاه هو نبيّنا أصالةً وتشمل كلّ داعية على منهاجه إلى طريق الله في كلّ زمَنٍ مِنَ الّذين قد خُصِّصوا بإرشاد النّاس إلى الخير ، وإسعافهم ممّا هم فيه مِنْ جهالات.

 

- إنّ الخليلَ المنصوص عليه بالآية أعلاه هـو القرينُ الّذي يتّخذُه كلّ أحد لصحْبَته ، ويكون غالبا مِنَ المدبِّرين النّاصحين بالسّوء ، وأغلبهم غشّاشون لا خير فيهم ، وهذه إشارة إلى قُرناءِ السّوءِ الّذين يُضِلّون النّاس عنْ كلّ ما هو ذِكْرٌ وخاصّة القرآن الكريم ، وأمثال هؤلاء "ينْهَوْنَ عنه ويَنْأَوْن عنْهُ" بدعوى إسْداء النّصيحة وبذلك يُغالطون النّاسَ قصدَ إبعادهم عن الرَّسول الكريمِ وعنِ الطّريق القويم وعنِ الذّكر الحكيم ، ومَنْ كان هذا حاله فقد خسِر خُسرانًا مُبينًا ، وأغلب النّاس اليوم على هذه الحال، فهم يَنْفِرون مِنَ كلِّ ذِكر، ولا يلْتَزِمـون به سواء كان قرآنًا أو أحكامه أوْ أوْرادًا أو أحزابًا أو فرضًا أو نفلاً.

وإنّي أنْصَحهم قبل فواتِ الأوان:

1- بٱتّباع الرّسول الكريم.

2- والعمل بالذِّكر الحكيم.

3- وسلوك الطّريق القويم.

 لينْجوا مِنْ خذلان الشّيطان الرّجيم. والآية السّالفة الذّكْر الّتي شرحْنا معناها ليست في حقِّ مَن هم كافرون كما يعتقد العارفون ، إنّما هي في حقِّ مَن هم مِنْ أوساطٍ مسلمين وانْحرَفوا عن مبادئهم والدّليل أنّها تذكُر الرّسولَ والسّبيلَ والذِّكرَ وهذا مما يَهُمُّ المؤمنين ويدلّ على أنّهم هم المعنيون بالأمْر.

 

﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً [114 طه]. فهذا العِلْم المطلوب الزّيادة منه قد يكون العلْم الموهوب الّذي هو عيْن السُنّة الشّريفة. وهذا بعض ما جاء في كتاب اللهِ مِنْ تعظيمٍ وتقديرٍ وتكْليفٍ وتكريمٍ لرسولنا ونبيّنا سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولسُنّته الشّريفة والأمْر لنا بذلك.

 2-  التّأييـد مِنَ السنّة الشّريفة كما يلي:

(ألا إنّي أوتيت الكتابَ ومثلَه معه) [رواه أبو داود في سننه عن المقدام بن معد].

   فالكتاب هو القرآن الكريم ، وما هو مثله هي السُنّة الشّريفة الّتي لها شأنها واعتبارها.

 

(ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) [رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].

 

    إنّ هذا الحديث تسَاوَى مع أَمْرِ اللهِ تعالى فلا اختلاف فيه أبدًا ، وهذا ما يدلّ على صِحّة السُنّة الشّريفة وقيمَتها ، و وُجوب العمل بها وعدم إهمالها أونبْذها.

 

(آلُ محمّد كلّ تَقيٍ) [للطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه]. فمَنْ رغِب و أراد أن يكون مِنْ آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم فعلْيه أن يكون تقِيًا بقطع النّظر عن قرابة النّسب الشّريف الّتي لها وزنها واعتبارها الّذي لانهاية له ولا حدّ.

 

(المتمسّك بسنّتي عند فساد أمّتي له أجر شهيد) [للطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه]. هـذا الحديث هو تشجيعٌ على التّمسّك بالسُنّة وهو حقيقةٌ لا شكّ فيها ، والمتمسِّكون بالسُنّة هم المعْتصِمون بالله ، لأن التّمسّك بالرّسول هو نفسه التّمسّك بالله تعالى ، أمّا نبْذُ إتّباع الرّسول هو نفسه نبْذٌ لطاعة الله ، وآيات كثيرة مِنَ الكتاب دالّة على ذلك.

 

(... يا بنيّ ! إن قدرت أ ن تُصبح وتُمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل يا بنيّ ! وذلك من سنّتي  ، ومن أحيا سنّتي فقد أحياني  ، ومن أحياني كان معي في الجنّة) [رواه الترمذي عن أنس رضي الله].

    هذا الحديث دليلٌ على قيمة إحْياءِ السُنّة وقيمة مَنْ أحياها ، فهو بإذن الله كان مع الرّسول في الجنّة.

 

 (كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلاّ مَن أبى : مَن أطاعني دخل الجنّة ومَن عصاني فقد أبى) [رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه]. نعم ! دخول الجنّة يتوقّف على أمْرٍ هامٍ وهو طاعة الرّسول سيّدنا محمّد e غير أنّه ليس لهذا الشأن اعتبار اليوم إلا عند القليل.

    ورحم الله الإمام محمّد البوصيري الّذي يُشير ببيْتي القصيد التّالية إلى كرامة هذه الأمّة بنبِيِّنا سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ومَن كانوا لنا هداةً على منهاجه إلى قيام السّاعة بدون انقطاع:

بُشرى لنا معشـر  الإسلام إنّ     لنا مِن العناية ركنًـا غير مُنْهدم

مكفولـة منهم أبـدًا بخير أبٍ     وخير بعْلٍ فلم تَيْتَم و لم تـئِـم

 

   الرّكن غير المنْهَدِم: هو الإمام الخليفة الوارث لسِرّ النّبوّة.

   وخير أبٍ أيْ روحي ، وخير بعل أيْ خير فحْلٍ مِنَ الفحول الرّبّانيين.

   لم تيْتم: لم تكن فاقِدةً هذا الأب بموته بل في كلّ زمان يظهر وارثٌ جديد.

   لم تئِم: لم يكن للأمّة إمَامَان في زمانٍ واحد لأنّ المبعوث لهذا الأمْرِ خِصِّيصًا لا يكون إلاّ واحدًا ولا مجال لِلْاثْنَينِيَة.

 

 فالسُنّة لها شأن عظيم عند اللهِ وعند آلِ محمّد وأتباعهم الكرام ، وإنّها وُصِفتْ بالشّريفة لاعتدالِها وتوازنِـها وخُلُـوّها مِنْ جميع العيـوب والشّوائب بحيث لا إفراطَ يؤدّي إلى تجاوز الحدود ولا تفريط يؤدّي إلى إهمال الواجبات ولأنّها متساوية مع الكتاب كما نصّ اللهُ على ذلك:

أوّلا: فمرّة  يَصِفُ الكتابَ بالذِّكرِ والنّورِ كما جاء بالآيتين اللاَّحقتين:

﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ[44 النحل].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ¤ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً [174-175 النساء].

ثانيا: ومرّة يَصِفُ: الرّسولَ بالذِّكرِ والنّورِ والسّراجِ المنيرِ كما جاء بالآيات اللاَّحقة: ﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ¤ رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً [10-11 الطّلاق]. ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ[15 المائدة].

 ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ¤ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ¤ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً[156-159 الأعراف].

 لِيعْلَم الّذين كانوا يجهلون بأنّ الدّين الإسلامي هو للجميع ، فهاهي الآيات واضحة وضوح شمْسٍ في ضحاها ، ولِيعْلَموا كذلك أنَّ نُورَ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ليس هو للعرب فقط لينْتفعوا به بل هو كذلك لأهل الكتاب السّابقِين مِنَ اليهود والنّصارى ولجميع الأجناس البشريّة أيْنَما كانت وفي أيّ زمان.

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ¤ وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً [45-46 الأحزاب].

لا يمكن لمن يعتبر نفسَه مؤمِنًا أن يستغنى عن هذا النّــور العظيم كتاب الله ورسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم ، ومَنِ ٱستغنى عن ذلك فاللهُ غنيّ عن العالَمين أيْ لا حاجةَ له بمَن لا حاجة بهِ.

 

   نلاحظ أنّ مجرّد النّظر والسّماع للكتاب والسُنّة مباشرةً أو عن طريق العلماء أو بواسطة وسائل الإعلام لا ينفع كثيرا إذا لم يُعْمَل به ، بل ذلك يكون حجّـةً عليهم ، إنّما الّذي ينْفع هو العمل بإخـلاصٍ بقدْر الإمكان لمِا نُظِر مِنَ العِلْمِ أو لمِا سُمِع منه.

 

    ونلاحظ أنّ الكتابَ وحْده غير كافٍ لمرجعيّة الشّرع العزيز بلْ لا بدّ مِنَ السُنّة معه ، وأبْسط دليلٍ نستظهر به لوجوب السُنّة هو الصّلاة:

فلولا شرْح السُنّة لها وكيفيّتها وكيفيّة الطّهارة ما كنّا عرفنا كيف نتطهّر؟! ولا كيف نُصلّي! ولا عدد الصّلوات! ولا عدد الرّكعات! ولا ما يُقْرأُ في كلّ ركعة! ولا عدد السّجدات! ولنأْخذ القياس على هذا لِكلّ شيء مِنَ العبادات والمعاملات.

 

    وإنّ كلّ ما سنّهُ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يعتبره كلُّ مؤمِنٍ عاقلٍ "فرْضًا" لأنّ العاقل ينظر نظرةَ صفاء ، ويُقارِن الأمورَ بأصولها ، وهذا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ليس ما سَنّه مِنْ نفسِه أو باجتهاد منه ، إنّما كان ذلك بوَحْيٍ مِنَ اللهِ تعالى كما تُشير الآية الكريمة التالية: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ¤ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ¤ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ¤ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [1-4 النّجم]. فنُطقُه صلّى الله عليه وسلّم مِن أمْر ونَهي وترغيب وترهيب وغير ذلك هو مِنْ وَحْيِ اللهِ إليه ، ويجوز أنْ نقول إلينا نحن كذلك، كما نصّ حديثه صلّى الله عليه وسلّم: (مَن سنّ في الإسلام خيرا فاستُنّ به كان له أجره ومثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا) [رواه أحمد في مسنده عن أبي عبيدة بن حذيفة عن أبيه].

يعني مَن عمِل بها ليُقْتَدى به فيها. (مَن أحيا سنة من سنتي فعمل بها النّاس ، كان له مثل أجر من عمل بها لا يُتقص من أجورهم شيء) [رواه إبن ماجه عن عمرو بن عوف رضي الله عنه].

 

     فإذا تأمّلنا و نظرْنا إلى مرجِع أصل حديثه ونُطقِه صلّى الله عليه وسلّم نجِدْه وحْيًا مِنَ اللهِ ، فكيف أنّ الوَحْيَ يُؤكِّدُ كلّ سُنّة حسنة بقطْع النّظر عمّن سَنّها مِنْ أفراد الأمّة على لسانِه صلّى الله عليه وسلّم فإنّ اللهَ يقبَلها ويقبل مَنْ عمِل بها ولا يقْبِل سُنّةَ الرّسول نفسَه الّذي أتى بها أوْ لاَ يعتبرها ولا يُقيم لها وزنا ؟ فحاشا لله  أن يكون حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لا معنى له ويُتْرَك سُدًى ، وحاشَا لله أن يكون فيه الضّعيف ، إنّما الضّعيف مِنْ حيث الرُوّاة ، لا مِنْ حيث الرّواية أو نقول المعنى ، فكلّ أحاديثه معانيها قويّة وثابتة ، وأغلبها مساندة لما جاء بالكتاب إمّا لشرحه وإمّا لإتمام ما لم ينْـزِل به.

- وإنّنا نجد في الحديث القدسي الآتي ما يشفي الغليل ويبرئ العليل: (... وما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء الفرائض ، وما يزال العبد يتقرّب إليَّ بالنوافل حتّى أحبّه ، فإذا أحببته كنت عينه التي يُبصر بها وأُذنهُ التي يسمع بها ويده الّتي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلّم به ، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته..) [أخرجه أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها]. نفهم مِنْ هذا الحديث أنّ مَن تقرّبَ إلى اللهِ تعالى أحَبّه ، وكان: (عينه وأُذُنه ويده ورجله وفؤاده ولسانه) يعْني بذلك أنه تجلّى على هذا الإنسان الكامِلِ فصار بَصُرُه بَصرَ اللهِ ، وسمعُه سَمعَ اللهَ ، ويدُه يدَ اللهِ ، ورجلُه رجلَ اللهِ ، وفؤادُه فؤادَ اللهِ ، ولسانُه لسانَ اللهِ...! هذا بالنّسبة لمن أحبّهم اللهُ مِنْ خاصّة خاصّة عباده ، فما بالك بحُبّه لهذا الرّسول النّبيّ الأمّيّ صلّى الله عليه وسلّم وتجلّياته عليه الّتي أعْجزتْ كلَّ العقولِ عن التّوصُّلِ إلى معرفة كُنْهِ حقيقته وكيفيّته. كما قال الإمام محمّد شرف الدّين البوصيري رحمه الله:

وكيف يُدرك في الدنيا حقيقته    قوم نيام تسلّوا عنه بالحُلُم

 

ونجِدُ في الشّرع: أنّ السُنّة هي ما أمرَ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونهى عنه وندَب إليه قولاً وفعلاً ، سواءً ما كان بالكتاب وبيّنه لتيْسير فَهْمِه على النّاس ، أو ما أُلْقيَ في روْعه مِنْ إلْهَامٍ ، والأصحّ ما أُوحِيَ إليه مِنْ غير ما جاء بالكتاب ، وهذا لا نَسْتَبْعِدُه عن غير الأنبياء فما بالك بالأنبياء أنفسِهم وخاصّة نّبيّنا المفضَّل.

 

-        وفي حديث: (إنّ روح القدس نفث في رَوعي ، وقال : إنّ نفسا لن تموت حتّى تستوفِيَ رزقها فاتّقوا الله وأجملوا في الطّلب ولا يحملن استبطاء الرّزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته) [حلية الأولياء عن أبي أمامة رضي الله عنه].


الحرية...

أيها الدعاة إليها ... دلوني بالله عليها
اخترنا لكم


رحلة الى الجنة و نعيمها



في ظلال آية: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ



نداء إلى الرحمة
والتراحم

الإحسان إلى
الصالحين

الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين...