مسيرة الدليل >> أيها الإنسان >> الإنســـان بيـن الأمـانـة والخيـانـة

الإنســـان بيـن الأمـانـة والخيـانـة

  الأمانـة: هي كلّ ما فرضهُ الله على عباده من عبادات ومعاملات لضمان الآخرة من جهة ، ودوام صلاح شؤون الحياة في الدّنيا بين النّاس من جهة أخرى. أو نقول هي المستلزمات والعهود الّتي قضى بها الله تعالى على الإنسان بصفة عامّة أن يتحمّلها ويُؤدّيها بمقتضى الشّرع العزيز.

    ونزلت فيها عدّة آيات منها:

-﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [72 الأحزاب].

-﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [32 المعارج].

    وتأديتها تُسمّى: الوفاء بالأمانة على الوجه المطلوب ، وإنجاز العهود وتبليغ الأمانات والمحافظة عليها على أحسن وجه ، سواء كانت حسّيةً أو معنويّة ، خاصّة أو عامّة ، تتعلّق بالدّين أو بالدّنيا.

    ونزل في الوفاء بالأمانات عدّة آيات نذكر منها:

    فالأمانة يمكن أن نقسمها إلى قِسمين: الأمانة الكبرى ،  والأمانة الصّغرى:

- الأمانة الكبرى: أمانة العبوديّة لربّ البريّة جلّ شأنه ، نصّ عليها قوله تعالى كما ذكرنا: "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ...إِنَّهُ كَانَ ظَلَُومًا جَهُولاً ". فإمّا أن يكون ذلك قبل حمل الأمانة ، وإمّا أن يكون قد قصّر في حقّها وتهاون في حملها أو لم يعط اعتبارا وقيمة لحاملها رغم ماله مِن امتيازات ربّانية: ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [19 الرّعد].

    الأمانة الصّغرى: فهي أمانة المعاملات بين النّاس ، وهي لا تقلّ أهَمّية عن الكبرى ، ومترابطة معها تمامًا وفي كلّ شيء ، نصّت عليها عدّة آيات نذكر منها:

-﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ [283 البقرة].

-﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ [58 النّساء].

    والأمانة هنا تتمثّل في أصناف كثيرة منها:

 

    ولابدّ لنا أن نذكر بعض من يجب عليهم أن يكونوا أوّل الأمناء في الأمّة:

1) الرّعاة: ولاّة الأمور ، وهُم اليوم يُعرفون بالرّؤساء والملوك والأمراء والسّلاطين. فإذا قامُوا بالأمانة العظيمة المناطة بعُهدتهم فبُشرى لهم ، فإنّهم ممّن يُظلّهم الله يوم القيامة تحت ظلّ عرشه. فعليهم بالعمل بالسّويّة بين الرّعيّة  وأن لا يرضَوْن لأنفسهم من البحبوحة ما لا يرضونه لهم ، وكذلك لا يرضوْن لهم المكاره ما لا يرضونهُ لأنفسهم. هكذا يكون أداء أماناتهم حقًّا.

2) العلماء العاملون: لهم مسؤوليّة كبرى وأساسيّة في تعليم كلّ النّاس الخَير على مختلف مستوياتهم ، لأنّهم جميعًا في حاجة إليه لتكوينهم التّكوين المطلوب شرعًا.

 

    أيّها العُلماء في كلّ مكان وزمان أين أنتم ؟!

3) القُضاة أُمناء: لهم أمانة العدل الهامّة ، عليهم أن لا يتواطؤوا في حقّ من حقوق الله ، أو حقّ من حقوق النّاس ، وأن لا يتعَدّوا إلى ظُلم مهما كان نوعه.

4) المحاربُون والسّياسيّون: عليهم أن يكونوا في مرضاة الله عزّ وجلّ ، وألاّ يخونوا أماناتهم وألاّ يشتروا بها كسبًا أو مكانةً في المجتمع.

5) الأمانة الرّئاسيّة: وهي كلّ من يرأس النّاس في أمرٍ ما.

    وبصفة عامّة فالأمانات كثيرة وكثيرة جدًّا ، نذكر منها:

الأمانة الدِينيّة والأمانة السّياسيّة والأمانة الاقتصاديّة والأمانة الصّناعيّة والأمانة الفلاحيّة والأمانة الاجتماعيّة والأمانة الماليّة والأمانة العسكريّة والأمانة الأمنيّة والأمانة الاداريّة والأمانة البحريّة والأمانة البرّية والأمانة التّشريعيّة والأمانة التّنفيذيّة والأمانة الشّعبيّة والأمانة الأهليّة والأمانة الوطنيّة ونحو ذلك.

     فكلّها أمانات ، وكلّها هامّة ، تستلزم الصّدق في القول والإخلاص في العمل. ولا أحد من الأمّة خالٍ من الأمانة ، فكلٌّ في عُنقه أمانة ، إن لم نقل أمانات وخاصّة في هذا الزّمان الّذي أصبحت فيه جميع المعاملات وجميع الوسائل المعيشيّة وما تعلّق بها تخضع كلّها لتراخيص وتراتيب إداريّة ، ومُمارسات ماليّة ، ومعاليم وأداءات وضرائب جبائيّة بعنوان خراج الدّولة المعبّر عنه "بخزينة الدّولة" ، لتكون لها ميزانيّات لصرفها فيما يلزمها من حاجيات مختلفة وكثيرة.

 

    والحاصل أنّ الأمانات ازدادت في هذا الزّمان توسّعًا وكثر عملها وعظمت مسؤوليّتها. ومن يا ترى سيكون ناجيًا من تَبِعَاتِها في هذا التيار من الخوض العظيم للكسب الجسيم ؟ فلا ينجُو إلاّ من كان قد عصمه الله تعالى من خِيانتها، فيُؤدّيها طبقًا لأمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم القائل: عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنكَ ، ولا تخن من خانكَ) [رواه الترمذي].

عن عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال (كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي، يغربَل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم، فاختلفوا، وكانوا هكذا؟ (وشبك بين أصابعه) قالوا: كيف بنا يا رسول الله! إذا كان ذلك؟ قال: تأخذون بما تعرفون. وتدعون ما تنكرون. وتقبلون على خاصتكم. وتذرون أمر عوامكم) [رواه ابن ماجه].

 الخيانـة: هي عدم النّصح في أداء الأمانة ونقض العهد المستلزم لها. وهي صفة ذميمة للغاية ، ولا تكون إلاّ من خُلُقِ المنافقين. فهي السّبب في انخرام الرّوابط الاجتماعيّة بين النّاس بالأمس واليوم.

    وقد نَهى الله عن فعلها لما لها من عواقب وخيمة ، فقال عزّ من قال:

    ألا أيّها المؤتَمَنُون ! هل راجعنا في أنفسنا أو فيما بيننا حال الأمانة اليوم ؟ وما طرأ عليها من خيانات لأجل الكسب منها واستغلال المكانات فيها ؟

    وهل تناصحنا للتّوبة ممّا قد وقع ، للقيام بأداء الأمانة على أحسن وجه سواء كانت أمانة المعاملات أو أمانة العبادات ؟ وبذلك تكون حياتنا على مناهج ثابتة وصحيحة طبقًا لأمر الله ووَعده: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [76 آل عمران].

    وإنّني أقول: إنّ أغْدر الغادرين من كان صديقًا فانقلب إلى صفّ المعادين دون موجب لذلك ، وهذه الحالة تعتبر خيانة عظمى عند العُقلاء.


الحرية...

أيها الدعاة إليها ... دلوني بالله عليها
اخترنا لكم


رحلة الى الجنة و نعيمها



في ظلال آية: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ



نداء إلى الرحمة
والتراحم

الإحسان إلى
الصالحين

الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين...