مسيرة الدليل >> الدين والحضارة >> الفهم الحقيقي لمعنى الحرّية

الفهم الحقيقي لمعنى الحرّية

  إنّ الحريّة تُمثّل الحضارة الإنسانيّة وإذا زال هذا الإنسان زالت حريّته الّتي ادّعاها وحضارته الّتي بناها ، ولم تبق إلاّ الحضارة الإسلاميّة الّتي أحدثها لنا ربّ العالمين. وإنّ لصاحب الحريّة المزعومة نخوة وعصبيّة ، وقُيود لغيره بفرض قانون لحماية حريّته فيؤدّي الأمر إلى مخالفة شرع الله تعالى من جهة ، وحرمان الغير من التصرّف خارج إطار هذه الحريّة من جهة أخرى.

 

     وإنّي سائلُك أيّها الإنسان عمّا جعلك تتصرّف في أخيك الإنسان وتجعل عليه قوانين وقيودا تُؤدّي في بعض الأحيان إلى الحكم عليه بالقضاء على حياته بسبب مخالفته لقانونك ، فتصرّفت معه تصرّفا عنيفا بتهمة أنّه قام بما لا يُوافق حريّتك واعتبرته مجرما ؟

 

    وما فكّرتَ ولو قليلا في ربّ الجميع الّذي بيده مقاليد السّماوات والأرض ولحكمة منه خلق الوجود وما حوى ، ومن ذلك الخلق أنت وأمثالك الإنسانيّين وجعل لكم قانونا شرعيّا من لدنه يتماشى مع الأوضاع البشريّة كافّة.

    فتحدّيتموه - الربّ والشّرع - ! ورأيتم أنّ ذلك الشّرع لا يفي بالحاجة في هذا الزّمن ، ولم يعد يخدم مصالح البشريّة ! فنبذتموه وراء ظهوركم واعتمدتم على رأيكم تفعلون به ما تريدون  ولو كان مخالفا لشرع الخالق جلّ جلاله ! بل هو تمرّد وعصيان له سبحانه وتعالى الحكيم الحليم ، والحال أنّه لم ينتقم منكم ، ولم يحبسكم بسجن ، وما قطع عنكم الرّزق  وأسباب المعيشة الأخرى ، بل كفل لكم كلّ شيء وأمدّكم بما تريدون ولم يُبال. غير أنّه أمهلكم في أمركم عساكم تتوبون وتتّقون.

 

    يا حسرة على العباد ! إنّهم في غمرة ساهون. وبالتالي فإنّي أقول: لو أنّ دعاة الحريّة انصرفوا لنشر العدالة الاجتماعية المفصّلة بالشرائع السّماويّة لكان أفضل بكثير لقطع دابر الشّرور من العالمَ.

    يا من تبحث وتخاصم لتركيز أسس نظريّات الحريّة أطلق نفسك من هذه القيود وأرسلها مع إرادة الله تعالى لها فستعرف بعد ذلك الحقيقة.  قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ 68 القصص .

  من الوهم أن يُحسب أنّ الحريّة هي أن يفعل المرء ما يشاء في ملك الله بينما الله هو الخالق وهو المقدّر والفاعل في ملكه ما يشاء.

    يا من تفرض نظريّات الحريّة فأنت مِلْكٌ لله تعالى ولا يجوز لك أن تفعل في ملك غيرك من النّاس ما تشاء فما بالك في مُلك مالِك الْمُلك عزَّ وجلّ. فمن أراد أن يعترض عمّا ذكرنا ، فنقول له: هل تقدر أن تبقى صغيرا فلا تكبر ؟ أو تبقى حيّا فلا تموت ؟ إذًا فمادام هذا مستحيل فالحريّة الّتي يدّعيها أشدّ استحالة ، لأنّ الحريّة ليست هي أن تقول أنت أو تفعل ما تشاء ولا يُعارضك أحد بل الحريّة بأن لا تقولَ ولا تفعلَ ما لا يشاء غيرك حتّى لا يُعارضك أحد.

 

    ونقول إنّ الحكم على النّاس يكون بشرع الله لا بحريّة المجتمع لأنّ حُكْم الشّرع عَدْل للجميع وعلى الجميع وإليكم المثل الأعلى: ( إنّ قريشا أهمّهم شأن المرأة المخزوميّة الّتي سرقت ، فقالوا: أو من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟ ومن يجترئ عليه إلاّ أسامة بن زيد حِبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟ فكلّمه أسامة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتشفع في حدّ من حدود الله تعالى. ثمّ قام فاختطب ثمّ قال: إنّما أَهلك الّذين من قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه   الحدّ ، وأيّم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها ) رواه الدرامي عن عائشة رضي الله عنها .     ولو فرضنا وجود الحريّة فيجب أن تكون في إطار النُّظم الربّانيّة الّتي شملت كلّ شيء لضمان التّوازن الاجتماعي منذ خَلْق آدم إلى قيام السّاعة. ومن رام هذا الأمر ورضي به فقد سَعِدَ ، ومن لم يَرُم فالعيش أيّام معدودات ثمّ إلى الموت ! وما بعد الموت ! والله أعلم بمصير كلٍّ منّا.