مسيرة الدليل >> كلمة الإمام الشيخ >> رسالة الإمام الشيخ إلى الأمة تحت عنوان : الجهاد.. الجهاد..

رسالة الإمام الشيخ إلى الأمة تحت عنوان : الجهاد.. الجهاد..

يا معشر الشعوب ! رسالتي هذه تدعوكم إلى الجهاد الأكبر للتّخلّص ممّا أنتم فيه من فتن تطحنكم حاليا برحاها وعسى أن يتعاظم أمرها مستقبلا إن لم تجعلوا لها حدّا بجهادكم هذا. لأنّه تبيّن بوضوح أنّكم تمرّون بمرحلة انتقالية صعبة جدّا سببها الرّئيسي الغفلة عن الغاية التي خُلقتم من أجلها فأدّت بكم أوّلا: إلى التّجاذب والتّنازع والتّصارع والانشقاق السياسي فيما بينكم للوصول إلى أغراض دنيوية سافلة عند الله ، وثانيا: تشتّت مذاهبكم العقائدية أو وقع تلاشيها أو إبدالها ، ممّا سبّب معاداة بينكم تحسبونها هيّنة وهي عند الله عظيمة ، وكلّ ذلك قد يرجع إلى أيادي أجنبية خفية تعمل لمصالحها أثّرت عليكم بأطماعكم إلى تمويلاتها المالية ولربّما كذلك إلى استراتيجياتها العصرية ، وبذلك نراكم ملتم إلى ما هو مذموم من جمعٍ للمال وحبٍّ للدنيا كأنّكم لا تعلمون قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك:

- [ أكبر الكبائر: حبّ الدنيا] رواه الديلمي في مسند الفردوس  عن ابن مسعود .

- [ حبّ الدّنيا رأس كل خطيئة ] رواه البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن مرسلاً.

زيادة على أنّ أوطانكم لا تنتظر منكم شرّا ولا تحتمل اختلافات بينكم ولا خطيئات منكم بل تريدكم ائتلافا واحدا كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا.

ولسائل أن يقول ما الدّاعي الذي أبدل أمن بلداننا إلى فزع؟ فنقول: هذه فتنة سببها الظالمون منكم الذين رخّصوا في الخمور وفي الرّبا وفي البغاء وفي التّغاضي عن الرّشا وزجّوا ببناتنا ونسائنا إلى التّبرّج والتّسيّب ممّا تسبّب في الكثرة من الطّلاق والتّرمّل والتّيتّم والعنوسة والتّهلكة نفسانيا وأخلاقيا والتّعرّض إلى حرمان كبير نتجت عنه مآس عظيمة دمّرت القلوب والأجسام . وعلى المحاولين للقضاء على الفساد المالي أن لا يغفلوا على القضاء على الفساد الأخلاقي لأنّه أشدّ خطرا على الأجيال. لكن مع الأسف فإنّ النّفوس الخبيثة تُؤْثره وتدافع عنه ، وكذلك ربّما النّفوس المحرومة من الحياة الزّوجية تضطرّ إلى فعل ذلك أحيانا بدافع الغريزة القوي ، فهذا مُحال لا يليق بحالكم أيّتها الشعوب لماّ كنتم جميعا مسلمين حسب ما نسمع من تصريحاتكم ونتيقّن من مواطنتكم  فلماذا إذن الخلافات الحادّة بينكم التي أنتم عليها الآن في كافة أنحاء العالم الإسلامي ؟ حتى اتّسعت الشقّة ولم تلتئم، ولذلك سلّط الله عليكم وبالاً من الفتن المتنوّعة والمتراكمة كأمراض القلوب وأمراض العقول -المعنوية التي لم تُدركوها وهي خطيرة جدّا- وأمراض الأبدان التي لم يسلم منها إلاّ القليل في هذا الزّمان وكذلك القحط والكوارث والجوائح... ويبدو أنّ سبب كلّ ذلك عدم تمسّككم بالشرع العزيز وبعدكم عن الله تعالى القائل لكم: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ  147 النّساء

ورغم ذلك فلم نر اكتراثا بأمر الله ولا عناية بدينه الحنيف كما ينبغي. يا للعار ! خلافات حادّة أدّت إلى التّطاحن بل إلى حروب وتقاتل فيما بينكم دون هوادة لأنّه إذا غلب ذاك الشقّ فسيثور ضدّه هذا. وإذا غلب هذا فسيثور ضدّه ذاك. فإلى متى ستدوم هذه الأضداد ؟ ومتى سيكون توحيد صفوفكم كما توحّدت "الولايات المتحدة الأمريكية" وكما توحّد "الاتّحاد الأوروبي"؟

   وعلى كلّ حال فإنّ ذوي النّباهة يرون أنّ أفضل الحلول هو الالتجاء سريعا إلى الجهاد الأكبر والتّعاون على ذلك كما جاء بخطاب الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *  وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ  77- 78 الحجّ. 

﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ6  العنكبوت.

 وإنّ الجهاد الأكبر إذا أقبلتم على القيام به فبإذن الله سيكون أعظم حلا لاجتناب الفتن الكبرى القائمة التي دمّرت العباد والبلاد دينيا ودنيويا ونشرت العداوة والبغضاء بين عامّتكم وخاصّتكم .

إذن فإذا أردتم أن تعيشوا في الدّنيا بسلام  من الفتن ، وتموتوا بسلام من عذاب القبر، وتُبعثوا بسلام من عذاب المحشر، وتدخلوا الجنّة بسلام  لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون فهلمّ جميعا إلى هذا الجهاد دون تخلّف ولا توان ، لأنّه فرض عين على كلّ مؤمن ومؤمنة وقال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أفضل الجهاد أن تُجاهد نفسكَ وهواكَ في ذات الله.  رواه الديلمي عن أبي ذرّ رضي الله عنه.

مع العلم أنّ هذا الجهاد مقترن حتما بالهجرة وأفضلها كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :  المهاجر من هاجر ما نَهَى الله عنه. رواه البخاري عن بن عمر رضي الله عنه.

وإنّ الجهاد والهجرة في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا أفضل ما يكون. وعلينا أن نفرّق بين ما هو جهاد وبين ما هي فتنة ! فأغلب ما يدور من قتال بينكم شكله جهاد وجوهره فتنة لأنّ جلّه في سبيل التّولّي على الحكم واغتنام المناصب السامية وإن كان بعض القتال لدفع مظالم عظيمة عن المقاتلين وربّما كذلك عن حرمة الدّين. وبما أنّكم إخوة بشريا ودينيا فحرام التّقاتل فيما بينكم لأنّ النّتيجة خسارة للجميع كما جاء بهذا الحديث الكريم: عنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:  ذهَبتُ لِأَنصرَ هَذَا الرَّجُلَ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَة ، فقال: أَيْن تُرِيد؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجل، قال: ارْجِعْ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: إِذَا الْتَقى الْمُسْلمَانِ بسَيْفَيْهِمَا ، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقتُولُ فِي النَّارِ ، فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا القاتِلُ  فَما بَالُ الْمَقتُولِ ؟ قال: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ. رواه البخاري

 لذا هلمّ إلى الجهاد الأكبر كما جاء في قوله صلّى الله عليه وسلّم: قدِمْتُم خير مقدم،  وقدِمْتُم مِن الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، مجاهدة العبد لِهوَاه. رواه الخطيب عن جابر رضي الله عنه.

 فالجهاد الأكبر لا نهاية له وهو وقاية من فتن الدّنيا ومن عذاب الآخرة، أمّا الجهاد الأصغر فهو واجب كلّما ظهرت أسبابه وقد ينتهي.

    وفيما يلي نقدّم إيضاحات وفوارق للمُقارنة بين الجهـاديْن الأكبر والأصغر لنعلم أيّهما أصعب وأيّهما أفضل:

 

الجهـاد الأكبـر

 

الجهـاد الأصغـر

 هذا معنـويّ

«=»

 وهــذا حسّي

هـذا متّصل وخطره كامِـن فيكَ

«=»

 هـذا منفصل وخطره خارج عنكَ

 العدوّ  كامن  تشعر بمرارة مجاهدته

«=»

العدوّ ظاهر تشعر بلذّة قتـله

الحرب لا تنتـهي

«=»

الحرب قد تنـتهي

العدوّ لا يُصالح ولا يُهـادن

«=»

العدوّ يُصـالح أو يُهـادن

إذا قتلك العدوّ تدخل النّار

«=»

إذا قتلك العدوّ تدخل الجنّة

 

إذن فعليكم بالتّعبئة إلى الجهاد الأكبر فرادى وجماعات للعمل على خدمة النّفوس لتهذيبها وتطهيرها من هواها وشُرورها وطغواها حتّى لا يُترك لها مجال للظّلم والاعتداء والنّهب والاستيلاء والحسد والرّياء والأنانيّة والغُرور وما إلى غير ذلك، و هذا من أهمّ المحاور التي ترتكز عليها دعائم الأمّة والتي توفّر لأفرادها المحبّة والأُخوّة والمودّة والإيثار والأمن والسّلام والتّرابط والتّلاؤم والتّعاون على البرّ والتّقوى حتى لا يبقى مجال لا لتسويلات نفسانية ولا لنزغات شيطانية و لا لصراعات سياسية ولا لخلافات طائفية دينية ولا لنظريات يمينية ولا يسارية ولا متشدّدة ولا إرهابية وفي النّهاية لا يكون إلاّ ما هو حقّ وصواب.