مسيرة الدليل >> الأسرة والحياة الزوجية >> الحثّ على استعفاف الذكور والإناث

الحثّ على استعفاف الذكور والإناث

    إنّ الله سبحانه وتعالى الحكيم في تدبيره ، العليم بخلقه ، الّذي خلق مِن كلّ شيء زوجيْن ذكرًا وأنثى. وأَخَصَّ العناية بالخلق البشري الّذي كرّمه وبعث غريزة الجنس في كلّ مِن الرّجل والمرأة وجعل بينهما طبيعة النّكاح للأُلفة والمودّة والتّناسل. ولماّ أراد الله أنْ يكون كلّ ذلك خال مِن العيوب سطّر دستورًا للبشريّة أوحى به إلى نبيّه الكريم سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الّذي أرسله للنّاس شاهدًا ومُبشّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا مُنيرًا لتكون الحياة على منهاجِ فِطْرة الله السّليمة الّتي فَطَرَ النّاس عليها. ومِن بين هذه الفِطرة النّكاح الشّرعي الّذي حَثَّ اللهُ عليه للاستعفاف مِن جهة واجتناب لما عسى أنْ يقع مِن أخطاء مُخالفةٍ لأمره قد تُسيء لعلاقات الحياة البشريّة مِن جهة وتُغضبُ الله تعالى مِن جهة أُخرى.

لهذا أعْددنا هذا الدّرس وتعرّضنا فيه إلى شرح وتبيان ما جاء بنصوص آيات قرآنيّة في شأن الحثّ على استعفاف الذّكور والإناث ، مع التّشجيع وتوفير الأسباب لذلك كتعدّد الزّوجات لإسعاف الرّجال والنّساء خاصّةً ، والتّزوّج بالجواري لإسعاف الرّجال الّذين لم يستطيعوا قُدرةً ماليّة للتزوّج بالحرائر.

والحمد لله لقد تعرّضنا لذكر كلّ ذلك في هذا الكتاب.

﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ 235 البقرة. إنّ المواعدة للنّساء سرًّا قد يُستراب فيها لأنّها ربّما تُؤدّي للخروج عن دائرة الشّريعة بربط علاقات منكورة غير مسموح بِها. ولذلك نَهى الله تعالى عنها إلاّ أنْ يكون القول في ذلك قولاً معروفًا لا استرابةَ فيه.

    أمّا النّهيُ عن عزم عقدة النّكاح حتّى يبلُغ الكتاب أجله بالنّسبة للنّساء المعْتدّات المطلّقات أو اللاّتي مات أزواجهنّ ، فلا يعزم الرّجال عليهنّ عقدة النّكاح حتّى يتِمّ أجل العِدّة لأنّ الاعْتِدَاد أنواع وفيه اختلاف في الآجال. المهمّ لابدّ مِن إتمام مدّة العِدّة ثمّ بعدها يُمكن الزّواج بدون حرج.

﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ 25 النّساء.

وللحِرصِ على استعفاف الرّجال العاجزين ماليًّا عن نِكاح الحرائر أيْ المحصنات المؤمنات أشار الله لهم أن ينكحوا مِن مّا مَلكت أيمانهم مِن فتياتهم المؤمنات اللاّتي يُعرفن بـ "الجواري أو المملوكات" وأمرَ الله تعالى بأنْ يكون الزّواج بإذن أهلهنّ مع إعطائهنّ مهورهنّ حسب الاستطاعة وأنْ يكون الزّواج بالجواري أو بغيرهنّ عن طريق العفاف والشّرف لا عن طريق الزّنا والمصَاحَبَات غير الشّرعيّة الْمُستراب في أمرها.

﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ 33 النّور.

    وبيّن الله تعالى أنّ الّذين لا يجدون أيّ نوع مِن الاستطاعة للزّواج ذُكورًا كانوا أو إناثًا فعليهم جميعًا بالاستعفاف مُحافظةً على الشّرف والكرامة إلى أنْ يجعل الله لهم بعد عُسرٍ يُسْرًا. وما ذلك على الله بعزيز مصداقًا لقوله: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً 4 الطّلاق.

﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ¤ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 30-31 النّور.

    إنّ الآيتيْن أعلاه تضمّنتَا أمر الله تعالى العظيم للرّجال والنّساء بالمحافظة على الاستعفاف لعدم تعدّي حدود الله تعالى الّذي قال في شأْنِها: ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً 1 الطّلاق.

    إنّ المحافظة على الاستعفاف بالنّسبة للرّجال تكون بغضّ الأبصار وحفظ الفروج لئلاّ ينظروا إلى النّساء أو يُجامعوهنّ إلاّ مَنْ كُنّ أزواجهم.

    أمّا المحافظة على الاستعفاف بالنّسبة للنّساء فهي أشدّ وتكون بغضّ الأبصار وحفظ الفروج إلاّ على أزواجهنّ ، ولا يُبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها ، ولْيضربن بخمورهنّ على جيوبهنّ ، ولا يُبدين زينتهنّ بصفة عامّة وخاصّة إلاّ لأزواجهنّ ولبقيّة محارمهنّ أيْ الرّجال المحرّمون عليهم تحريمًا أبديّا.

   الرّجاء عدم الاغترار بالكثيرات مِن نساء هذا الجيل كبيرات أو صغيرات اللاّتي يتبرّجن بزينتهنّ ولا يدرينَ لِمَن يتبرّجنَ. يا للعجب يبدو أنّهن يَشْعُرن بمتعة ولذّةٍ في ذلك. ومع ما نُلاحظ مِن فساد أهل الزّمان فالأحسن والأجدر عدم إبداء المرأة زينتها لأيّ أحدٍ إلاّ لزوجها.

  إنّ الآيتيْن المذكورتيْن آنفًا المتعلّقتيْن بغضّ الأبصار وحفظ الفروج وعدم إبـداء الزّينة وضرب خُمُر النّسـاء على جيوبِهنّ هما مرآة للمُستبصرين الْمُتعفّفين.

    أمّا الحديث الشّريف أسفله فإنّه أمرٌ بالاستعفاف بصفة عامّة كالاستعفاف عن الدّنيا لزهدها وعدم التّعلّق بِها ، والاستعفاف عن النّساء بصفة عامّة اجتنابًا للفتن إلاّ ما أحلّ الله منهنّ. إنّ الأمم تدوم بالاستعفاف وتنقطع بالدّناءة كما قال الشّاعر:

إنّما الأمم الأخلاق ما بقيَتْ      فإنْ هموا ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا

بمعنى أنّ الأمم تبقى وتدوم بدوام أخلاقها الفاضلة. فإنْ هم ذهبوا أيْ تمزّقوا وتشتّتوا وتفرّقوا أيْ ذهبتْ ريحهم بمعنى تلاشتْ قُواهم مِن حسّهم ومعناهم وذلك بِذهابِ أخلاقِهم عنهم.

وأنتم أيّها السّادة على علم بما حلّ مِن العذاب والمهانة والخراب بأجيال سابقة لماّ ذهبتْ أخلاقهم.  

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الدّنيا حلوة خَضِرة ، وأنّ الله مُستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، فاتّقوا الدّنيا ، واتّقوا النّساء ، فأوّلُ فتنة بني إسرائيل كانت في النّساء) أخرجه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه. كان علينا معشر المسلمين أنْ نقول سمعنا وأطعنا ، ونعمل صالحًا لينظر إلينا ربّنا الكريم نظرة العناية فيحفظنا بها مِن بلاء الدّنيا وفتنة نسائها ، ويُنْجِينا مِن خزي الدّنيا وعذاب الآخرة. أمّا مَن نظر إليهم ربّهم نظرة المهانة بسبب فِعلهم الدّنيء وتقصيرهم في حقّ الله تعالى والرّسول صلّى الله عليه وسلّم فعذابهم في الآخرة يطول إنْ لم أقلْ يخْلُدون فيه.


الحرية...

أيها الدعاة إليها ... دلوني بالله عليها
اخترنا لكم


رحلة الى الجنة و نعيمها



في ظلال آية: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ



نداء إلى الرحمة
والتراحم

الإحسان إلى
الصالحين

الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين...