في الحقيقة إنّي لست من أهل هذا الميدان
لأتحدّث عنه ، لكنّي أقتحِمه لجرأة دفعتني لأبيّن ولو
القليل من الكثير حتّى أُوَضّح للإنسان ما عليه أن يفعل مع نفسه ليكون إنسانا
كاملا يستحقّ التفضيلَ والتكريم اليوم وغدا. ولهذا أتوكّل على الحيّ القيّوم الّذي
لا تأخذه سنة ولا نوم ، فأقول ومنه أستمدّ القوّة
والحوْل: إنّ هذا الإنسان يرجع تكوينه البشري إلى عنصرين:
الآية واضحة وجليّة لكلّ عاقل في كيفيّة
النّشأة الأولى الّتي مرّت على مراحل وهي: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ ¤ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾[71-72
ص].
إذًا عُنصر الإنسان المادّي: مِن طين ،
والطّين قطعة من تُراب سَوَّاه الله تعالى وَعَدَله بقُدرته وإرادته، فتشكّل بشـرًا، ثمّ نفخ فيه سبحانه
وتعالى من رُوحـه فصار بشرًا سويًّا ، كاملاً وحيًّا.
وسيّدنا آدم عليه السّلام أوّل البشر ، وهو
أبوهم جميعا ، ثمّ خلق له سبحانه وتعالى زوجةً له من ضِلعه وهي حوّاء أُمّ البشر
كما جاء في الخبر ، غير أنّهلا علم لنا
بكيفيّة هذا الخلق ، ولم نتوصّل إلى معرفة حقيقته.
ثمّ بقدرة الله تعالى وإرادته جعل التّناسل
بين الزّوجين: آدم وحوّاء وغيرهم من نطفة وهي المعبّر عنها "بالماء
المهين" -المنيّ- الّذي يظهر أنّه ضعيف وحقير
لا يساوي شيئا.
والنطفة تمر على مراحل في قرار مكين: وهو
الرّحم المحفوظ في بطن المرأة فتصير علقة ، ثمّ تصير مضغة ، ثمّ يخلق الله المضغة
عظاما ، ثمّ يكسوها لحما ثمّ يبعث فيه الرّوح كما بعث في أبيه آدم. وسبحانه وتعالى
يصوّر في الأرحام ما يشاء ذَكرا أم أنثى ، أبْيضًا أم أسْودًا ، طويلاً أم قصيرًا
أم بين ذلك ، ويفعل في الأمْر ما يشاء ، تبارك الله أحسن الخالقين.
ونقول أنّ
سُلالة خلق البشريّة هي دائما من طين. وكيفيّة ذلك أنّ البشر يتغذّى بمأكولات
أصلها من طين كذلك ، وأنّ الله يكيّف التّراب بقدرته
وإرادته وحكمته فتكون أنواعًا من المأكولات ، ومن هذه المأكولات تنتج النّطفة.
بعدما تحدّثنا عن عنصر الإنسان المادّي
فنتحدّث الآن عن:
- العنصر الرّوحي: فنقول أنّ
الرّوح هو عنصر معنويّ نوراني لا يُدرَكُ باللّمس الحِسّي ولا بالعقل ولا بالنّظر
ولا بالسّمع ولا بأيّ شيء من الأشياء ، ولا يُدرك الرّوح
إلاّ الرّوح.
وهذا الرّوح وجوده قديم أزليّ وهو سرّ نسبَهُ
الله إليه بقوله تعالى: "فَإِذَا نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" أي نفختُ
فيه من سرِّي ، فـ "من" للتبعيض ، لأنّه ما
قال نفختُ فيه روحي.
إذًا فلنفهم أنّ الرُّوح موجود قبل وجود
الجسم ، ولا يفنى كما يفنى الجسم بل هو كائن غيببيّ حيّ
، ونعضد هذا القول بالآية التالية: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن
بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا
عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [172 الأعراف].
عن أنس رضي الله عنه ،
أنّ الله تعالى يقول: (... لأهون أهل النّار عذابًا: لو أنّ لك ما في الأرض من شيء كنتَ تفتدي به.
قال: نعم ، قال: فقد سألتكَ ما هو أهون من هذا وأنتَ في صُلب آدم: أن لا تشرك بي ،
فأبيتَ إلاّ الشّرك)[صحيح
البخاري].
قيل أنّ الله سبحانه وتعالى أخذ من ظهر آدم
أنسام أبنائه - أنسام الأرواح - الّذين سيُخلقُون من نسله ،
وأخذ عليهم العهد وأشهدهم على أنفسهم بأنّه ربّهم ثمّ أعادهم إلى ظهره أو صلبه.
عن أُبيّ بن كعب في قول الله عزّ وجلّ:
"وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ منْ ظُهُـورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهَمْ..." ، قال: (جمعهم فجعلهم أرواحا ثمّ صوّرهم فاستنطقهم
فتكلّموا ثمّ أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قال فإنّي
أُشهد عليكم السّماوات السّبع والأرضين السّبع وأُشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا
يوم القيامة لم نعلم بـهذا اعلموا أنّه لا إله غيري ولا ربّ غيري فلا تشركوا بي
شيئا وإنّي سأُرسل إليكم رسلي يُذكّرونكم عهدي وميثاقي وأُنزل عليكم كُتبي قالوا
شهدنا بأنّك ربّنا وإلـهنا لا ربّ لنا غيرك فأقرّوا بذلك)[رواه أحمد في مسنده].
قال الله تعالى:﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[85
الإسراء].الرّوح شأنه عظيم ،
وهو سرّ كلّ الكائنات وما أوتينامن العلم به إلاّ قليلا.
فنفهم والله أعلم: أنّ النّفس الواحدة هو آدم ، ونفهم كذلك أنّ كلّ إنسان أنشأه الله من نفس واحدة ،
فمستقرّ ومستودع.
فمستقـرّ: هو الرّوح ، ومستودع :
هو الجسم الّذي يستودع فيه الرّوح ولِكون الجسم يتعرّض للفناء والرّوح باقٍ مستقرّ
على حاله أيْنما أراده الله فيعالَم الأشباح أو في
عالَم الأرواح أو في عالَم البرزخ أو في الآخرة فهو مستقرّ على حاله.
إنّ الرّوح يُحجَب بكثائف
الأكوان فإن خرقها صعد إلى أنوار الكشوف والعرفان عند ذلك يكون صاحبه من أهل
المعرفة الربّانيّة.
فالجسم ماديّ يتغذّى بالماديّات الّتي هي
قوام الحياة البشريّة ، والرّوح لطيف نورانيّ يتغذّى بأعمال الطّاعات من صلوات
وأذكار... ونحو ذلك.
إذًا لابدّ للإنسان العاقل من المعادلة بين
الجسم والرّوح ليكونا على مستوًى واحـد:
- نوفّر للجسم ما يلزمه
ويناسبه ممّا هو حلال محلّل.
- ونوفّر للرّوح ما يلزمهويناسبه من ذِكر الله تعالى.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله
عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مثل الّذي يذكر ربّه والّذي
لا يذكر ، مثل الحيّ والميّت)[رواه
البخاري].
فالذّاكر حيٌّ بروحه وجسمه لأنّ غذاء الرّوح
يعود أيضًا بالفائدة على الجسم. أمّا الّذي لا يذكر ربّه كمثل الميّت ، ومثل
الميّت فهو ميّت ، وقال الله تعالى في هذا الشّأن:
وما يشعرون أنّهم أموات والحال أنّهم أحياء
حياة الأنعام لا حياة الإنسان !
وكان وصفه بالحيوانيّة لا
بالإنسانيّة لأنّ الإنسانيّة لها علاقة كبيرة بمصدر الرّوح سبحانه وتعالى وملتزمة
بالمحافظة على هذه العلاقة لضمان المستقبل القريب أو البعيـد.
أمّا الأشباح الّتي تتعرّض للموت والفناء ،
فالله تعالى بيّن ذلك في قوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ﴾[185 آل عمران].وهي إشارة إلى النّفس البشريّة وكلّ النّفوس الأخرى.
وقال تعالى:﴿وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ
فَمِن نَّفْسِكَ﴾[79
النّساء] بمعنى: أنّ النّفس البشريّة إذا لم تلزم الصّواب
فإنّها تتسبّب لصاحبها في المآسي وتعرّضه للعقوبات.
وإنّ قُوى الإنسان بين نفسيّة وروحيّة لابدّ
لها من التّعايش والتّوازن ، غير أنّه لا يكون ذلك إلاّ في كنف الدّين الإسلامي، وهو الدّستـور الّذي أعدّه الله لها وإلاّ فسيتجاذب الطّرفان. فإن غلبت
النّفسخلا البشرمن الإنسانيّة ، وإن غلب الرّوح خلا الإنسان من البشريّة ، أي صار مجذوبا.
والمطلوب هو إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه سَوَاء
نفسًا أو روحًا ، وقال الله تعالى: ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء
مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾
[20 الإسراء].
أي لا منع على الأشباح من عطاء الله ، ولا منع على الأرواح من عطاء الله. فعطاء الأشباح من الماديّات ، وأرجو أن لا يتسبّب البشر في نَيله بالحرام ! وعطاء
الأرواح من المعنويّات ، وأرجو أن لا يقصَّر في تعاطي
أسبابه حتّى لايتمكّن الشّيطان منهم
فيُخبِّل أمْرهم ليستدرجهم من حيث لا يعلمون فيتوهّمون ذلك أنّه مدد من الله !
وهذا أكبر عائق للأرواح ومُهلِك لها.
علينا أن لا ننسى الّذي يهمّنا من الدّرجة
الأولى: غاية الخلق الإنساني وهي معرفة الله ذاتا وصفاتا والتمتّع بجماله مُرورا
بالحياة الدّنيا الّتي كانت للإنسان بمثابة جسر عبور للآخرة ، والله يمتحن فيها
عباده ليَصلُح من صلح لحياة الخلود بجنّته والنّظر إلى حضرته ، ولِيَفْسُدَ من فسد
لناره.
وإليكم الآية الكريمة النّاصّة على غاية
الخلق:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[56
الذّاريات].قال بعض العلماء: أي ليعرفوني: بكرمي وجُودي وجمالي اليوم وغدًا ، أمّا
الّذي أنكر فلا كرم ولا جود ولا جمال. وله في الدّنيا متاع قليل
، ثمّ مأواه النّار في الآخرة.
إذًا فخَلْقُ الإنسان كان تكريما له بإذن
الله القائل:﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾[70
الإسراء].
فنحمد الله ونثني عليه ثناء لا يحصى كما أثنى
هو على نفسه لنعمه الإيجاديّة علينا والإمداديّة إلينا. ولما جعلَنا من أهل التكريم وخصّنـا بذلك
، حتّى كنّا من خير أمّة أُخرجت للنّاس ، وفي هذا الميدان فليتنافس المتنافسون.
مازال لنا أن نتحدّث فيما يلي عن مدى
العناية بالجانب المادي والجانب الرّوحي للإنسان. قد نرى اليوم أحوال الناس بصفة
عامّة حتّى المسلمين منهم منكبّين انكبابا كليّا لغاية النّهوض بالحياة البشريّة ، ليمكّنوها ممّا تستحقّ وزيادة كأنّهم لا يموتون
أبدا. والغريب في ذلك أنّهم يجمعون بين حلال وحرام !
والأغرب أنّهم يتباهون فيما بينهم أيّهم أحسن أثاثًا ورئيًا !! وكأنّهم لم يمرّوا
بآية ولم يعتبروا بما جاء بالزّمان من غرق وحرْق وزلازل وكوارث بصفة عامّة وخاصّة ، وأعظم كارثة هي الموت لمن لم يقدّم لها خيرا.
-يضطرب المرْء لأجل كسب
الدّنيا.
-ويمرض المرْء لأجل كسب الدّنيا.
-ويغامر المرْء
لأجل كسب الدّنيا.
-ويُسجَن
المرْء لأجل كسب الدّنيا.
-ويهرب المرْء
لأجل كسب الدّنيا.
-ويتغرّب المرْء لأجل كسب الدّنيا.
-ويغتاظ المرْء
لأجل كسب الدّنيا.
-ويُعاقب
المرْء لأجل كسب الدّنيا.
ويرتكب عدّة أفعال سيّئة وسيّئة للغاية لأجل
كسب الدّنيا... وهلمّ جرّا. ليُوفّر لنفسه ولمن كان وليًّا عليهم أنواعا من
المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات والمركوبات والمنكوحات...
ويتحمّل أتعابا ، فيالها من أتعاب تبلغ أحيانا درجة العذاب ، وصدق الله العظيم
القائل: ﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ
لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [55
التّوبة].
يحاول الإنسان منذ طفولته إلى
أن يغمره الموت أن يتعاطى أسبابا للحصول على ذلك. كم سنة في الرّوضة
، وكم سنة في التّعليم الابتدائي ، وكم سنة في التّعليم الإعدادي ، وكم سنة
في التّعليم الثّانوي ، وكم سنة في التّعليم العالي ،وكم مادّة يتناولها ويقرأها ، وكم من أُخرى
يكون الضّارب فيها أقوى للإقبال عليها... إلى غير ذلك.
فلماذا هذا كلّه ؟
ليعلم ويعرف كيف يمكن له ضمان مرافق الحياة ، وأيّ حياة
هذه ؟ الحياة الدّنيويّة الوقتيّة الزّائلة والّتي يعقبها حتمًا الموت.
وكم لذلك أُعدّت من منظّمـات عالميّة وقوميّةوجهويّةومحليّة ، وفي المدينة وفي القرية وفي الرّيف للعناية بالنّهوض بموضوع سياسي أو
اجتماعي أو غيره... لتطوير الحياة. وكم لذلك سُطّرت وأُصدرت من قوانين وجُعلت
عليها حراسة شديدة لِزجر وردْع مُخالفيها.
وكم جُعل من قيّمين يتحسّسون ويُحسِّسون
المجتمع لمعرفة كيفيّة النّهـوض بالحياة إلى أرقى مستواها.
وكلّ هذا لأجل ماذا ؟ لأجل جسم سينتهي أجلُه فيموت !
فيقلق منه أهله فيسرعون إلى دسّه في التّراب قبرًا ، أين هو الآن ؟ إنّه بين
أمرين:
1) إن كان ممّن سعى إلى
الآخرة سعيها وهو مؤمن فإنّه بإذن الله في روضة من رياض الجنّة.
2) وإن كان ممّن لا
يرجون لقاء الله ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بِها فهو في القبر بين منكر
ونكير: ضربًا وتعذيبا ، ثمّ يُفتح له باب على جهنّم لزيادة التّعذيب والتّنكيل إلى
يوم القيامة.
فبالله عليك أيّها الإنسان هل عدلت في الآية
بين الجسم والرّوح ؟ فقد رأينا العناية الفائقة لأجل
الجسم الفاني. فأين إذًا جانب العناية بالرّوح النّوراني الّذي أنت به إنسان ؟ وأين المال الّذي سيُصرف من أجله ؟
وأين المؤسّسات والجمعيّات الّتي تُقام للعناية به ؟
وأين المجهودات الجماعيّة والفرديّة الّتي تُبذل من أجله ؟
وحتّى إن وُجد كلّ ذلك فقد طغت عليه صبغة سياسيّة لا تخدم المصالح الدّينيّة كما
هو مطلوب؟!
واسمع معي قول الشاعر:
يا خادم الجسم كم تشقى لخدمتـهوتسعى
الرّبح مِمّا فيه خُسـران
أقبل على النّفس واستكمل فضائلهافأنت بالرّوح لا بالجسم إنسـان
بارك الله فيكم ، فقولوا لي بالله عليكم ، هل
أوجدنا عناية مُماثلة وشاملة لما له علاقة بالحياة الأبديّة لدوام العلاقة
بالحضارة الربّانيّة العريقة الّتي أرادها لنا الله ربّ العالمين ، وحافظ عليها من
قبلنا رجال صدّيقون وشهداء صالحون وهُم بذلك عند الله أحياء مكرمون ؟
فأيّ حضارة لنا أفضل: الّتي يعقبها الموت ؟ أم الّتي تعقبها حياة أفضل وخير من الحياة الأولى ؟
وبعد هذا كلّه... فمآل هذا الوجود وما حوى
إلى الفناء المحض ، ثمّ لم ينته الأمر إلى حدّ هنا بل سيتبعه البعث الموقوت إلى
يوم القيامة الّذي كان مقداره خمسين ألف سنة وقال الله فيه:
فالمحشر هو بداية الدّار الآخرة ، ومن ثمّة
ينقسم النّاس إلى أقسام: منهم من هم ذاهبون إلى الجنّة ، ومِن بينهم مَن تتصاعد
سعادتُهم فيها درجات ، والحياة أبديّة والحمد لله. ومنهم من هُم ذاهبون إلى جهنّم
، ومن بينهم من تتصاعد شقاوتُهم فيها دركات ، والحياة أبديّة ، بل لا حياة ولا موت
والعياذ بالله.
ونسأل
الله السّداد والتّوفيق لما فيه صلاح المعاش والمعاد إنّه كريم جواد.