مسيرة الدليل >> أيها الإنسان >> الإنسان بين المادّة والرّوحّ

الإنسان بين المادّة والرّوحّ

  في الحقيقة إنّي لست من أهل هذا الميدان لأتحدّث عنه ، لكنّي أقتحِمه لجرأة دفعتني لأبيّن ولو القليل من الكثير حتّى أُوَضّح للإنسان ما عليه أن يفعل مع نفسه ليكون إنسانا كاملا يستحقّ التفضيلَ والتكريم اليوم وغدا. ولهذا أتوكّل على الحيّ القيّوم الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، فأقول ومنه أستمدّ القوّة والحوْل: إنّ هذا الإنسان يرجع تكوينه البشري إلى عنصرين:

1) العنصر المادّي.

2) العنصر الرّوحي.

    فالعنصر المادّي: نصّ عليه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ¤ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ¤ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ¤ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ¤ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [12-16 المؤمنون].

 

    بعدما تحدّثنا عن عنصر الإنسان المادّي فنتحدّث الآن عن:

- العنصر الرّوحي: فنقول أنّ الرّوح هو عنصر معنويّ نوراني لا يُدرَكُ باللّمس الحِسّي ولا بالعقل ولا بالنّظر ولا بالسّمع ولا بأيّ شيء من الأشياء ، ولا يُدرك الرّوح إلاّ الرّوح.

    إنّ الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ [98 الأنعام].

    فنفهم والله أعلم: أنّ النّفس الواحدة هو آدم ، ونفهم كذلك أنّ كلّ إنسان أنشأه الله من نفس واحدة ، فمستقرّ ومستودع.

     فمستقـرّ : هو الرّوح ، ومستودع : هو الجسم الّذي يستودع فيه الرّوح ولِكون الجسم يتعرّض للفناء والرّوح باقٍ مستقرّ على حاله أيْنما أراده الله في عالَم الأشباح أو في عالَم الأرواح أو في عالَم البرزخ أو في الآخرة فهو مستقرّ على حاله.

    والمطلوب هو إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه سَوَاء نفسًا أو روحًا ، وقال الله تعالى: ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً [20 الإسراء].

    أي لا منع على الأشباح من عطاء الله ، ولا منع على الأرواح من عطاء الله. فعطاء الأشباح من الماديّات ، وأرجو أن لا يتسبّب البشر في نَيله بالحرام ! وعطاء الأرواح من المعنويّات ، وأرجو أن لا يقصَّر في تعاطي أسبابه حتّى لا يتمكّن الشّيطان منهم فيُخبِّل أمْرهم ليستدرجهم من حيث لا يعلمون فيتوهّمون ذلك أنّه مدد من الله ! وهذا أكبر عائق للأرواح ومُهلِك لها.

 

    وإليكم المثل من القرآن: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ¤ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[175-176 الأعراف].

    علينا أن لا ننسى الّذي يهمّنا من الدّرجة الأولى: غاية الخلق الإنساني وهي معرفة الله ذاتا وصفاتا والتمتّع بجماله مُرورا بالحياة الدّنيا الّتي كانت للإنسان بمثابة جسر عبور للآخرة ، والله يمتحن فيها عباده ليَصلُح من صلح لحياة الخلود بجنّته والنّظر إلى حضرته ، ولِيَفْسُدَ من فسد لناره.

    وإليكم الآية الكريمة النّاصّة على غاية الخلق: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [56 الذّاريات]. قال بعض العلماء: أي ليعرفوني: بكرمي وجُودي وجمالي اليوم وغدًا ، أمّا الّذي أنكر فلا كرم ولا جود ولا جمال. وله في الدّنيا متاع قليل ، ثمّ مأواه النّار في الآخرة.

     مازال لنا أن نتحدّث فيما يلي عن مدى العناية بالجانب المادي والجانب الرّوحي للإنسان. قد نرى اليوم أحوال الناس بصفة عامّة حتّى المسلمين منهم منكبّين انكبابا كليّا لغاية النّهوض بالحياة البشريّة ، ليمكّنوها ممّا تستحقّ وزيادة كأنّهم لا يموتون أبدا. والغريب في ذلك أنّهم يجمعون بين حلال وحرام ! والأغرب أنّهم يتباهون فيما بينهم أيّهم أحسن أثاثًا ورئيًا !! وكأنّهم لم يمرّوا بآية ولم يعتبروا بما جاء بالزّمان من غرق وحرْق وزلازل وكوارث بصفة عامّة وخاصّة ، وأعظم كارثة هي الموت لمن لم يقدّم لها خيرا.

وكلّ هذا لأجل ماذا ؟ لأجل جسم سينتهي أجلُه فيموت ! فيقلق منه أهله فيسرعون إلى دسّه في التّراب قبرًا ، أين هو الآن ؟ إنّه بين أمرين:

1) إن كان ممّن سعى إلى الآخرة سعيها وهو مؤمن فإنّه بإذن الله في روضة من رياض الجنّة.

2) وإن كان ممّن لا يرجون لقاء الله ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بِها فهو في القبر بين منكر ونكير: ضربًا وتعذيبا ، ثمّ يُفتح له باب على جهنّم لزيادة التّعذيب والتّنكيل إلى يوم القيامة.

     فبالله عليك أيّها الإنسان هل عدلت في الآية بين الجسم والرّوح ؟ فقد رأينا العناية الفائقة لأجل الجسم الفاني. فأين إذًا جانب العناية بالرّوح النّوراني الّذي أنت به إنسان ؟ وأين المال الّذي سيُصرف من أجله ؟ وأين المؤسّسات والجمعيّات الّتي تُقام للعناية به ؟ وأين المجهودات الجماعيّة والفرديّة الّتي تُبذل من أجله ؟ وحتّى إن وُجد كلّ ذلك فقد طغت عليه صبغة سياسيّة لا تخدم المصالح الدّينيّة كما هو مطلوب؟!

واسمع معي قول الشاعر:

يا خادم الجسم كم تشقى لخدمتـه    وتسعى الرّبح مِمّا فيه  خُسـران

أقبل على النّفس واستكمل فضائلها    فأنت بالرّوح لا بالجسم إنسـان

 

    بارك الله فيكم ، فقولوا لي بالله عليكم ، هل أوجدنا عناية مُماثلة وشاملة لما له علاقة بالحياة الأبديّة لدوام العلاقة بالحضارة الربّانيّة العريقة الّتي أرادها لنا الله ربّ العالمين ، وحافظ عليها من قبلنا رجال صدّيقون وشهداء صالحون وهُم بذلك عند الله أحياء مكرمون ؟

    فأيّ حضارة لنا أفضل: الّتي يعقبها الموت ؟ أم الّتي تعقبها حياة أفضل وخير من الحياة الأولى ؟

    وبعد هذا كلّه... فمآل هذا الوجود وما حوى إلى الفناء المحض ، ثمّ لم ينته الأمر إلى حدّ هنا بل سيتبعه البعث الموقوت إلى يوم القيامة الّذي كان مقداره خمسين ألف سنة وقال الله فيه:

    فالمحشر هو بداية الدّار الآخرة ، ومن ثمّة ينقسم النّاس إلى أقسام: منهم من هم ذاهبون إلى الجنّة ، ومِن بينهم مَن تتصاعد سعادتُهم فيها درجات ، والحياة أبديّة والحمد لله. ومنهم من هُم ذاهبون إلى جهنّم ، ومن بينهم من تتصاعد شقاوتُهم فيها دركات ، والحياة أبديّة ، بل لا حياة ولا موت والعياذ بالله.

ونسأل الله السّداد والتّوفيق لما فيه صلاح المعاش والمعاد إنّه كريم جواد.

 


الحرية...

أيها الدعاة إليها ... دلوني بالله عليها
اخترنا لكم


رحلة الى الجنة و نعيمها



في ظلال آية: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ



نداء إلى الرحمة
والتراحم

الإحسان إلى
الصالحين

الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين...