مسيرة الدليل >> دروس ومقالات >> الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين

الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين

 إنّ أفضل الإحسان ، الإحسان إلى عباد الله الصّالحين وخِدمتهم ومساعدتهم على طاعة ربّ العالمين وتبليغ ما جاء برسالة الصّادق الأمين صلّى الله عليه وسلّم  إلى النّاس ، ليُوَحّدوا الله تعالى التّوحيد الحقيقيَّ لا توحيد التّقليد الّذي لا يخلو غالبا من الإشراك إمّا ظاهرا أو خفيا كما عليه السّواد الأعظم من النّاس. وفيما يلي نُقدّم ما يُؤيّد المقال من القرآن الكريم: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [9 القصص].

   - امرأة الطّاغية فرعون طلبت من زوجها وجنوده أنْ لا يقتلوا موسى عليه السّلام ، إذ قالت لزوجها "قُرّتُ عين لي ولك" بهذا الولد. ولِحسن نيّتها ومحبّتها لسيّدنا موسى ونصرتها وخِدمتها له ما يُترجم عن قُرّة عينها به فعلا. فحفظ الله تعالى بها موسى عليه السّلام من القتل. كان لها الله تعالى كما كانت لموسى فكانت مؤمنة في الدّنيا ولها في الآخرة بيت في الجنّة ، وقيل إنّها صدّيقة.

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [11 التّحريم].

عكس ما كان عليه فرعون الّذي قال الله تعالى فيه﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ¤ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ[45-46 غافر].

   - فرعون وآله يُعذّبون الآن في النّار صباحا ومساء ثمّ يوم القيامة يُدخَلون أشدّ العذاب،لماذا؟ لأنّهم أنكروا الرّسول والرّسالة وادّعوا الرّبوبيّة والجبروت.

  - احذروا أيّها النّاس مِن إنكار أمر الله تعالى -مع العلم أنّ الكثير يُنكرون- ولكن كما نصّت الآية الأولى لا يشعرون بسرّ الله تعالى الّذي منحه إلى عباده الصّالحين ، وخاصّة منهم الخلفاء الراشدون الوارثون لسرّ النّبوّة المحمّديّة المعبّر عنهم بـ" الأقطاب المحمّديين " أو الأبدال الّذين يتبادلون على الخلافة واحدا بعد واحد إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

   - وفيما يلي نقدم من كتاب القرطبي جزء: 18 ، صفحة: 203 ، حديثا هاما عمّا جرى لآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون ، من أجل إيمانِها والعنـاية برسول الله سيدنا موسى عليه السلام:

قال أبو العالية: اطّلع فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثْنَوْا عليها. فقال لهم: إنها تعبد ربا غيري. فقالوا له: اقتلها. فأوتد لها أوتادا وشدّ يديها ورجليها فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} ووافق ذلك حضور فرعون، فضحكت حين رأت بيتها في الجنّة. فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها ! إنّا نعذّبها وهي تضحك ، فقبض روحها. وقال سلمان الفارسي في ما روى عنه عثمان النّهدي: كانت تعذب بالشمس ، فإذا أذاها حرّ الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها، وقيل سمّر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى ، فأطلعها الله حتّى رأت مكانها في الجنّة.   انتهى.

﴿ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ¤ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ ¤ وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ¤ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ ¤ إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ¤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ¤ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ¤ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [20-27 يس].

   - فهذا الرّجل الصّالح أثناء قتله مِن طرف أعداء الله تعالى نكالاً به لأجل إيمانه والدّفاع عن دين الله ورسله صرّح قائلا: "إني آمنت بربّكم فاسمعون قيل ادخل الجنّة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربّي وجعلني من المكرَمين" رضي الله تعالى عن هذا الرّجل الكريم ، الّذي لم يبخل بالنّصيحة حتّى عند موته قال: "يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربّي" ، فلنتساءل جميعا بمَ غفر له ربّه وجعله من المكْرَمين ؟ الجواب: لأنّه أيّد المرسلين ووضّح أمرهم بأسلوب عجيب  ودعا النّاس إليهم ، وبيّن لهم التّوحيد الخالص لله في العبودية. إنّ هـذه آية قد يمرّ عليها القُرّاء وغيرهم كثير ، ولا يعتبرون منها إلاّ مجرّد قراءة حروفها. أيّها السّادة ! ألم يقل لنا أخونا الشّهيد هذا: "يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربّي وجعلني من المكرَمين". فدافعوا عن أهل الله تعالى وأيِّدوهم وانصروهم واقتدوا بهم يغفر لكم بذلك الله تعالى ، ويجعلكم من المكرَمين كما جعله. فالقرآن جاءنا دستورا للعمل به  والتّدبُّر لنستفيد من كلّ آية ، بل مِن كلّ كلمة ، بل مِن كلّ حرف. وعلى المؤمنين أنّ لا يستغنوا بمجرّد قراءته. فمجرّد قراءته ربّما في النّهاية تكون حجّة على صاحبها إن لم يكن خاضعا لما جاء به مِن أمر ونهي.