مسيرة الدليل >> أيها الإنسان >> الإنسان بين الهجرة والجهاد والتّضحية

الإنسان بين الهجرة والجهاد والتّضحية

    الهجـرة: نوعان ، نوع حِسّي ونوع معنويّ:

فالنّوع الحسّي: يتمثّل في الانتقال مِن مكان إلى آخر قصد المحافظة على الدِّين أو نشره أو الفِرار به اجتنابا مِن الفتنة والأذى الشّديد في سبيل الله الّذي يتعذّر احتماله: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ¤ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ [58-59 الحج].

والنّوع المعنوي: هو الانتقال مِن حال إلى حال ، مِن حال سيّئة إلى حال حسنة ، ومِن حال حسنة إلى ما هي أحسن منها.

الجهـاد:

     أمّا الجهاد بأنواعه هو أمْر له شأن ومكانة كبيرة في الدّين ، وقد أمر الإسلام به كلٌّ حسب طاقته ، وفيه إلزام النّفس بما تكره ، والحال أنّ فيه فوائد وصلاحًا للمعاش والمعاد ، وقال فيه المولى عزّ وجلّ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [216 البقرة]. وقال أيضًا ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [6 العنكبوت].

    والجهاد جهادان أصغر وأكبر:

- الجهاد الأصغر: هو محاربة العدُوّ بالعدد والعُدّة والسّلاح ، وقال فيه تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ...[60 الأنفال].

    وهذا الجهاد مأمور به كلّ أفراد الأمّة القادرون ،

 

     احذروا يا إخواني ! فليس الجهاد بالسّهل أن تدّعُوه ! وتقتلُوا إخوانكم المؤمنين إرضاءً لأغراض الشّيطان الّذي هو عدوٌّ لله وعدوّكم ! وكونُوا واعين وحريصين على التّثبّت حتّى لا تتورّطُوا في أمرٍ عُضالٍ وتكون العاقبة فيه وخيمة على الجميع: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [6 الحجرات].

 

- أمّا الجهاد الأكبر:  فصَدَق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي قال فيه: (قدِمْتُم خير مقدم ، وقدِمْتُم مِن الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، مجاهدة العبد لِهوَاه)  [رواه الخطيب عن جابر رضي الله عنه]. فيا له مِن جهاد ! ويا له مِن شأن عظيم عند الله تعالى!...

   - وهذا الجهاد ينقسم إلى قِسمين: 

            1- الجهاد في سبيل الله.

            2- الجهــاد  في الله.

    قال تعالى في القِسم الأوّل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [72 الأنفال]. الآية تشمل كلّ الأعمال الظّاهرة المتعلّقة بالجوارح.

   أمّا الجهاد في الله القسم الثّاني : فهو مجاهدة النّفس وحملها على القيام بأعمال الطّاعات وعلى هجر السّوء وترك المعاصي ، لترويضها ودفعها إلى الاطمئنان لتُخاطَب مِن طرف الحقّ جلّ وعلا: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ¤ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ¤ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ¤ وَادْخُلِي جَنَّتِي [27-30 الفجر].

    فالرّجوع إلى الله لا يكون إلاّ بعد المجاهدة لتطهير النّفس مِن كلّ الشّوائب ، فبذلك تكون النّفس عن الله راضية وله مرضيّة وواصلة ومُتّصلة بصفائها مِن جميع الأكـدار.

    وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا الجهاد عن أبي ذرّ رضي الله عنه: (أفضل الجهاد أن تُجاهد نفسكَ وهواكَ في ذات الله) [رواه الديلمي]. فهذه المرحلة من الجهاد صعبة ودقيقة جدًّا ولا يقوم بها ويتحمّلها إلاّ مَن نصّت عليهم هذه الآية: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [35 فصلت].

وفيما يلي إيضاحات وفوارق للمُقارنة بين الجهـاديْن الأصغر والأكبر:

 

الجهـاد الأصغـر

 

الجهـاد الأكبـر

هـذا منفصل خارج عنكَ

«=»

وهـذا متّصل كامِـن فيكَ

هــذا حسّي

«=»

وهذا معنـويّ

العدوّ ظاهر تشعر بلذّة قتـله

«=»

والعدوّ كامن تشعر بمرارة مجاهدته

الحرب قد تنـتهي

«=»

والحرب لا تنتـهي

العدوّ يُصـالح أو يُهـادن

«=»

والعدوّ لا يُصالح ولا يُهـادن

إذا قتلك العدوّ تدخل الجنّة

«=»

وإذا قتلك العدوّ تدخل النّار

 قال الله تعالى في القِسم الثّاني أي الجهـاد في الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ¤ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ

    فهلمّ أيّها النّاس جميعًا إلى الجهاد الأكبر الّذي تغافلنا عنه ، حتّى أنّ منّا مَن يموت في الحرب وما صام وما صلّى ! إنّ الجهاد أعني الأكبر: هو عين النّصر وعين الرّحمة وعين الإخاء والتّسامح والعدل. فالجهاد بنوْعيْه مكتوبٌ على الأمّة. وهو المِحور الّذي ترتكز عليه دعائم الأمّة من محبّة وأُخوّة ومودّة وإيثار وأمن وسلام وترابط.

التّضحيـة:

    التّضحية: هي كلمة معناها: المجاهدة والمكابدة والمعاناة بُغية تحقيق أهداف في نطاق الشّرعيّة الرّبانيّة أو الشّرعيّة الإنسانيّة. وتنحصر التّضحية في عنصريْن:

         1- التّضحية  بالنّفس.

           2- التّضحية بالمـال.

    وهما أهمّ وأفضل وأعظم تضحية أرادها الله تعالى للنّاس ، كما جاء بمُحكم التّنْزيل العزيز: ﴿انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [41 التّوبة].

    وتكون التّضحية في جميع الميادين:

    ونلاحظ أنّ التّضحية المشروعة لا تكون إلاّ لستّة موجبات تدفع الإنسان إلى الدّفاع ولو أدّى به الأمر إلى الموت في سبيل ذلك وهي:

    والذّبيح مِن ابني إبراهيم عليهم السّلام هو إسماعيل الّذي بلغ معه السّعي والّذي عاش بمَكّة ، وتدلّ الآيات المذكورة على ذلك:

- ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[133 البقرة].

    بحيث أنّ الله تعالى بشَّر إبراهيم بإسحاق نبيًّا مِن الصّالحين بعد عمليّة الذّبح والفداء لابنه إسماعيل ، ممّا يدلّ على أنّ الابن الأكبر لإبراهيم والذّبيح هو إسماعيل عليهم جميعًا السّلام ، مع أنّ شعائر عمليّة الذّبح كلّها بمَكّة أين كان يُقيم إسماعيل ، وهي شعائر الحجّ حيث تُقام كلّ سنة إلى قيام السّاعة. إذًا فدَعْوى أنّ الذّبيح بمقتضى الرّؤيا هو إسحاق باطلة لا نصيب لها مِن الصّحة تمامًا ، والقرآن الكريم أكّد لنا ذلك بكلّ وضوح.

    المغزى مِن البلايا الشّديدة هي:

       1- النّجاة مِن النّار رغم الوقوع فيها. 

       2- النّجاة مِن الذّبح رغم الشّروع فيه ، والفداء بذِبح عظيم في حال الطّاعة لله عزّ وجلّ بحيث تبدّل بسرعة السّيِّئات حسنات مصداق قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [6 الشّرح]. وغالبا ما يكون هذا حالٌ لكلّ تابع وسالك على المِلّة الإبراهيميّة.

وحِكْمة الله مع أوليائه الصّالحين ظاهرها عذاب وباطنها رحمة.

    يا سعد كلّ تابـعٍ لطريق الله بصبر وتفويض وتسليم... وهنا نلتفت قليلا لنرى اختلاف أحوال عامّة المؤمنين الّذين منهم مَن يريد الفرار مِن القضاء والقَدَر ! ولا يرضى أحدهم أن يُرمى في النّار مِن أجل حقّ لله ؟ أم يَذبح ابنه تنفيذًا لأمر الله وإرضاءً له ؟ لن يكون منهم أبدًا...

    أمّا خاصّتهم الأولياء فإنّهم يرضون بكلّ ما أمَر به الله تعالى ونَهى عنه ، ويرضون بكلّ حُكْم منه عليهم ، وواثقون مِن أنّ الله لا يظلم النّاس شيئًا وزِمام الحُكْم والعدل بيده عزّ وجلّ.

   ولنضرب مثلاً بسيطًا فيما ذكرناهُ: لو أنّ قائدًا كلّف جنديًّا ليقُوم بتضحية خطيرة وقاسية ، وقام بها هذا الجنديّ ، لكان جزاؤه أفضل الجزاء مِن مكافآت التّرقية والمِنَح والمحاباة ، فما بالك يا أخي بمن هو أكرم الأكرمين وأرحم الرّاحمين الّذي وسِعت رحمته جميع عباده وخاصّة منهم المقرّبين لا يُطاع اليوم؟! بل يُتجرّأ عليه بالمعاصي جهرة وبرغبة دون اضطرار ، ولذلك قال الله تعالى: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً [147 النّساء].

    فالشّكر على النِّعَم والإيمان والتّصديق بما أمر الله به وحَكَم ،  فبذلك يرقى المرء إلى أعلى القِمَم ، حيث تتعلّق الهِمم بما وراء العرش والقلم ، فطُوبى لمن هذا مقامه أو حتّى مَن كان يهفُو إليه ، فأيّ نار يخشاها ، وأيّ ذبح يرهبهُ ؟ بل الكلّ هيّن عليه.

   وقد تكون النّار هي إشارة إلى نار الفِتنة ، لأنّ لكلّ مؤمن فِتنة حسب مستواه الدِّيني.

   وقد يكون الذّبح إشارة إلى التّخلّي عن الأنانيّة والقضاء عليها قضاءً كلّيًا فلا أحد غنيٌّ غير الله ، ولا أحد قويٌّ غير الله ، ولا أحد قادر غير الله...

﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ¤ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً[11-12 الإنسان].

وبهذه المناسبة نقول للخاصّة ولغيرهم عامّة ممّن أنكروا ما ذكرناه: عليكم بمراجعة كتابين صدرا في النّصف الأوّل مِن القرن العشرين ميلادي بقلم الأستـاذ المربّي الشّهير والصّوفي الكبير الشّيخ: أحمد بن مصطفى العلوي المستغانمي الجزائري.  

 

 


الحرية...

أيها الدعاة إليها ... دلوني بالله عليها
اخترنا لكم


رحلة الى الجنة و نعيمها



في ظلال آية: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ



نداء إلى الرحمة
والتراحم

الإحسان إلى
الصالحين

الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين...