مسيرة الدليل >> كلمة الإمام الشيخ >> نداء الى الرحمة والتراحم

نداء الى الرحمة والتراحم

إلى الشعب التونسي الكريم خاصّة ، وكلّ شعوب الرّبيع العربي الأبيّة عامّة وغيرهم ممّن يهمّهم أمر خير أمّة أخرجت للنّاس ، بعد السّلام والتّحية أقول لكم: لا تحسبوا أنّ في كثرة تواجد الأحزاب السياسية والمنظمات والاتّحادات والرّابطات المتعدّدة الآراء وأغلبها مختلفة الشّهوات والأهواء النّفسية التي لا تتجاوز منافع شخصية هو الذي سيحلّ لكم المشاكل العويصة التي قمتم بالثورات من أجل تغييرها بما هو أصلح بل أنّ اختلاف رُؤى بعضها عن بعض في أوطاننا لا يزيد في الطين إلاّ بلّة، وهذا ما ظهر جليا في البدايات ، وما سيظهر في النهايات أشدّ إن لم تتصالحوا على كلّ ما هو حقّ أوّلا ، وتُصالحوا مع ربّكم عزّ وجلّ ثانيا، وتتحاكموا بأمره القويم ثالثا، لتصبحوا بذلك وحدة قوية منيعة نافعة ومنتفعة ولو كنتم قليلين عددا .

احذروا معشر الشعوب ! وكفّوا عن الانسياق في مثل هذه التيارات العاصفة والخادعة التي نراها إن تمادت سوف لا تبقي ولا تذر لأسباب واضحة كالتّهافت على الكراسي من جهة، والتّخلّص من تبعيات المحاسبة عن مفاسد وقعت في النّظم السابقة من جهة ثانية، والميل إلى مذاهب أجنبية والرّغبة فيها من جهة ثالثة، وكلّ ذلك يُمرّر تحت أستار مختلفة وبعناوين مغرية بدعوى "من أجل الاوطان والشعوب" وقد أكّدت لنا التّجارب سابقا بأنّه لا حقيقة لذلك أصلا ، بل هي فتنة متعاظمة إلى ما هو أعظم منذ عقود إن لم نجعل لها اليوم حدّا ، وأوّل ضحاياها هي أنتم أيّتها الشعوب، كما كان الأمر عليكم بالأمس في عهد الاستعمار أو في عهد الدكتاتوريات .إذن فأين تذهبون؟ وإلى أين تفرّون وكيف تعملون؟ فتيقّنوا أنّ المفرّ المفضّل بل الواجب لا يكون إلاّ لجوءًا إلى الله الخالق الرّازق بالانضمام إلى حزبه القائم ، والعمل بشرعه الدّائم فهو تعالى المحي والمميت وإليه يرجع الأمر كلّه وإليه المصير.

نعم ! اتّقوا الله جميعا أيّها العقلاء وتعاونوا على البرّ والتّقوى للإصلاح ولا تعاونوا كما كان سابقا على الإثم والعدوان للإفساد.

ومن الآن فصاعدا كفى جهلا! كفى غفلة وتغافلا! كفى أنانية وحسدا! كفى رياء وغرورا ! كفى خيانة ! كفى مكرا وغدرا ! كفى باطلا ! كفى إضرابا واضطرابا ! كفى تدميرا وتخريبا! كفى عصيانا وتمرّدا ! كفى شغبا! كفى تظاهرا ! كفى اعتصاما باستثناء الاعتصام بالله تعالى! كفى تحريضا على الخلافات! كفى فسادا للحرث والنّسل! كفى عنادا! كفى علوّا واستكبارا ! كفى شماتة ! كفى خذلانا ! كفى عداوة ! كفى انشقاقا وتفرّقا ! كفى حصارا! كفى نزاعا وصراعا ! كفى اقتتالا ! كفى حوارا بنظريات متطرفة عن واقعنا وأصالتنا الحقيقية ممّا أدّى إلى إهلاك شعوبنا إن لم يكن اليوم فغدا يوم القيامة! والغريب أنّه أصبح يُرى الكثيرون غافلون عن هذا الأمر الهامّ أو لا يصدّقون به ، أو ربّما يحاربونه لشدّة جهلهم به وعمايتهم بسبب نزول هممهم إلى الشهوات البهيمية ولو كانت محرّمة حتى فقدوا الجوانب الروحية وسقطوا في الفتنة!

وهلمّ جميعا بعد التّخلّي عن المساوي للتّحلّي بالمحاسن بكلّ صدق وهمّة وعزيمة قلبا بقلب ويدا بيد لنقوم بما هو مطلوب منّا لبناء أوطاننا، وإحياء تراثنا ، وتجديد ما اندرس من مجد ديننا . وبهاته المناسبة أتساءل كيف تكون حقوقا دون واجبات ؟ لذا أقترح على أصحاب القرار ببلادنا إحداث " منظمّة واجبات الانسان" فورا .

مع العلم أنّنا ضدّ كلّ ظلم وطغيان وفساد مهما كان نوعه ومصدره ، ولا نرضى ولا نسمح ولا نوافق المخذولين في العقيدة وفي الرّأي وفي العمل مهما كانت ميولاتهم وتوجّهاتهم ممّن يسعون إلى تشتيت صفوف الامّة ويدسّون لها السمّ في الدّسم لإهلاكها خاصّة اجتماعيا واقتصاديا . وحسبنا الله ونعم الوكيل وهو الهادي إلى سواء السبيل.

وأختم نصيحتي الخالصة وتوجيهي الصّحيح للجميع بقول الله الكريم:1/﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ 2/﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ 3/ ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ.