مسيرة الدليل >> القرءان الحكيم >> لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ

لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ

  لقد تعرّضنا بفضل الله وحمده لما فيه نفع لأفراد الأمّة المحمّديّة خاصّة وعامّة. ولنواصل الحديث رغبةً في الاطّلاع إلى ما فيه زيادة الخير والانتفاع ، وتيسير الأمور وإصلاح الأوضاع. فمن أبلَغه الله اليُسرى عليه أن يُذكّر تنفيذا لقوله  تعالى: ﴿ونُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى فَذَكِّرْ إِنْ نفَعَتِ الذِّكْرَى 8-9 الأعلى.

    إذًا فإنّنا نتوجّه لمن يخشى ليذّكّر قول الله تعالى:

1- ﴿إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ 77-79 الواقعة.

2- ﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 21-22 البروج.

3- ﴿وإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ 4 الزخرف.

    فالآيات الثلاث نأخذ من كلٍّ منها كلمة تدلّنا على امتداد علـم القرآن الكريم:  مكنـون / محفـوظ / في أمّ الكتـاب / وقد تناسبت هذه الكلمات الثلاث في معانيها وتقاربت  ، وكلّها دالّة على أنّ الكتاب أو أصل الكتاب أو سرّ الكتاب مخفيّ عن النّاس لا يمسّه إلاّ المطهّرون أي لا يدركه منهم إلاّ المطهّرون.

    وإنّ الّذي نفهمه من النّهي عن المسّ إلاّ بطهارة ، يمكن أن نقسّمه إلى قسمين:

1) المسّ الحسّي: وهو المسّ المعروف باليد ، لقراءته أو نقله أو أخذه أو إعطائه ، حيث أنّ الكتـاب مكرّم ومنَزّه ومعظّم ومقدّس فلا يُمكن مسّه وتناوله إلاّ بعد الطّهارة المطلوبة كطهارة الصّلاة.

2) المسّ المعنوي: وهو أهمّ بكثير وأفضل. وعلى العلماء أن يركّزوا عليه.

 فالنّهي عن المسّ هنا ليس نَهي منع ، إنّما هو إشارة وتنبيه إلى الرّاغبين والمتوجّهين والعازمين على معرفة العلم ، وخاصّة العِلم بالله ، بأنّه لا يمْكنهم أن يدركوا حقائق معاني القرآن الكريم وأسراره والحكمة الّتي جاء بِها إلاّ بالطّهارة فعلا من كلّ النواقض وأن تكون هذه الطّهارة كاملة شاملة.

    فمعنى "كاملة": أن تعمّ جميع العناصر المطلوب التطهّر منها وهي:

 المعاصي بأنواعها: كالشّرك والقتل والسّرقة والزّنى وشرب الخمر ونحو ذلك من كلّ ما كان فعله يَمُتُّ بصلة إلى غضب الله تعالى.

    ومعنى "شاملة": الحسيّة والمعنويّة والظّاهرة والباطنة. وفي ما يلي العناصر المطلوب تطهيرها لنصل إلى مرحلة "المطهّرون":

- البدن والثياب والمكان.

- الجوارح: ممّا نَهى الله عنه من مأكول ومشروب ومنكوح ومسكون ومركوب وملبوس ونحو ذلك.

- القلب: الّذي تتفرّع منه العقيدة والسّريرة والعقليّة. هذا التطهّر لا يتمّ إلاّ بعبادة الله تعالى ، والاستعانة به مصداق قوله تعالى: "لا يمسّه إلاّ المطهَّرون" وهم الّذين طهّرهم الله عزّ وجلّ بعد استعدادٍ منهم وتزكيةٍ منه جلّ شأنه ﴿ولَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا 21 النور.

    هؤلاء المطهَّرون هُمُ المؤهّلون لإدراك معرفة حقائق وأسرار معاني ما بالكتاب المكنـون ، أو نقول: اللّوح المحفوظ ، وهم كالكبريت الأحمر قليلـون جدّا في الأمّة وهم المعبّر عنهم بالربّانيّين ، هم أهل الذّكر المحدَث.

    ونلاحظ أنّ كثيرا من علماء الظّاهر يُنكرون بعض هذا الحديث بسبب عدم إدراكهم لواقع هذه الأمـور ويسخطون. ومنهم من يقول: المطهَّرون إشارة إلى الملائكة ، ونحن نقول: أنّ الكتاب والعلم الّذي حواه نزل لنا نحن بالدّرجة الأولى ، ويهمّنا نحن بقطع النّظر عن الملائكة.

    وألاحظ هنا أنّ نواقض إيمان المؤمن كثيرة كخيانة الأمّة و غشها قد وجبت الطّهارة منها ليكون الإيمان صحيحا قويما ، لأنّ مثل هذه الأمور تحجب عنّا إدراك معاني القرآن العظيمة أو مسّها.

    على هذا لا يمكن اعتبار المؤهّلات الثقافيّة مهما بلغت من المستويات العلميّة والنّظريّات العقليّة إلاّ ما كان منها مرتبطا رأسا باتّباع سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم بإحسان ولو كان التّابع أُمّـيًّا لأنّ إدراك أسرار القرآن الكريم لا يتوقّف إلاّ على الطّهارة الحسّيّة والمعنويّة كما ذكرنا.

- فالحسّيّـة: كما في قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ 6 المائدة.

- والمعنويّة: كما في قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا 103 التوبة.

    فأغلب النّاس لم يعتمدوا بزعمهم إلاّ على الطّهارة الّتي يقومون بِها بمقتضى أمر الله: "فاطّهّروا" أي الطّهارة الحسّيّة وما دَرَوْا أنّ الطّهارة المعنويّة ليست منهم بل إليهم. وهي من الله ورسوله: "تُطهّرهم وتُزكّيهم بِها". فالواجب علينا أن نتعاطى الأسباب لذلك لنكون متطهّرين حقّا: أجسامنا طاهرة من الأوساخ ، قلوبنا طاهرة من الغفـلات وعقيدتنا طاهرة من الشّرك ، معاملتنا طاهرة من الغشّ ، وعبادتنا طاهرة من الغرور ، وهلمّ جرّا.

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:  (إنّ لله أهْلِينَ من النّاس. قالوا: يا رسول الله ، من هم ؟ قال: هم أهل القرآن ، أهل الله وخاصّته) رواه الحاكم.

    طبعا لا يكونون أهل الله إلاّ بممارسة القرآن وتدبّره والاستفادة منه والعمل به ، والإخلاص فيه. وبِما أنّهم أهل القرآن فما عليهم إلاّ أن يتعاملوا معه كما أمر الله تعالى ، ويتطهّروا من كلّ ما جاء مخالفا له من الكتب.

    ولو كانت الطّهارة لا تتعلّق أساسا إلاّ بأمور الظّاهر ما كنّا نرى أُناسا من الكفّار في بلدان العالم يمسّون المصاحف الشّريفة ويتناولونَها بأيديهم في مناسبات كثيرة وعند الطّبع والبيع. ورأينا أخيرا منهم من يعبث بالقرآن شماتة في المسلمين الّذين لم يعملوا بأحكامه ومهانة لهم.

    إنّ الّذين حُرِموا من إدراك معاني القرآن وفهمها يرجع السّبب في ذلك إلى عدم قيامهم بالطّهارة القلبيّة الّتي هي أساس الطّهارات حيث قال الله فيهم: ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ41 المائدة.

 


الإحسان إلى
الصالحين

الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين...
اخترنا لكم


رحلة الى الجنة و نعيمها



في ظلال آية: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ