مسيرة الدليل >> النداءات الربانية >> العلم والعلماء والمذاهب

العلم والعلماء والمذاهب

    إنّ العِلم والعلمـاء والمذاهب هو محور حديثنا الّذي ترتكز عليه أساسـا المجتمعات الإسلاميّة بأنواعها من أوّلها إلى قيام السّاعة.

     وهي من أهمّ العناصر الّتي يحتاج المؤمن إلى معرفتها للقيام بدِينه أو لتجديده عند الحاجة ، أو للحذر من أن يُدخِل فيه ما ليس منه ، أو يُخرِج عنه ما هو منه.

الْعِلْمُ يَبْنِي بُيُوتًا لاَ عِمَادَ لَهَـا      والْجَهْلُ يَهْدِمُ بُيُوتَ الْعِزِّ والشَّرَفِ

 

   على هذا فإنّا عمدنا إلى كتابة هذا المقال قصد إظهار وإشعار المؤمنين بما يَلزمهم الارتباط به لتقوية عُرى الدّين في نفوسهم حسبما ورد وما توفّر لدينا من معلومات . والله وليّ التّوفيق.

 

    فالعلم الّذي نقصده بالذّات:

    والرّاجح عندنا أنّ العلماء ثلاثة:

1- علماء يحملون أنوَارًا هم علماء التحقيق أو نقول علماء إلهـام - أحبار -

2- علماء يحملون أسفَارًا هم علماء التّشريع أو نقول علماء أحكام - أبرَار -

3- علماء يحملون أوزَارًا هم علماء التشدُّق أو نقول علماء آثام - أشرَار –

مع أنّي أقول أنّ العلْم يُقاس بظهور نتائجه في ممارسة العمل به ، والعمل يُقاس بظهور نتائجه بالإخلاص فيه ، والإخلاص يُقاس بظهور نتائجه بالثّبات عليه ، وهكذا حتّى نلقى الله عزّ وجلّ.

    غير أنّ أغلب العلماء اختصّوا بظواهر العلوم الشّرعية وانكبّوا على تعلُّمها وتعليمها وحِفظها ومعرفتها والتفنّن فيها والعمل والإفتاء بها.

    وإنّ المذاهب هي عبارة عن اختيـارات مختلفة لكيفيّـات تنفيذ أمور الدّين بمقتضى الشّرع العزيز للتّيسير على أفراد الأمّة كلٌّ على حسب الاستيعاب الدّيني والاستنباط الاجتهادي الّذي بلَغتْهُ عقول الأئمّة . وهو ليس خروجًا عن الدّين أو إتيانا بما لم يأت به أو إحداثا لما لم يكن فيه . فهذا لا يكون وإن كان لا يجوز.

    فالعقول بصفة عامّة اختلفت في مستوى الفهم وفي كيفية التّطبيق بمقتضى ما لها من مستويات الاستيعاب العلمي والمادّي والمعنوي. فجاءت المذاهب ،كلّ مذهب مُركّز حسب نظريّة صاحبه المجتهد ، مع أنّها كلّها مرتبطة بأحكام الشّرع -الكتاب والسنّة- غير أنّ البعض من الأئمّة رأَوْا أنّ التّيسير على النّاس في التّطبيق أفضل فيسّروا ، خشيةً من أنّ التّعسير عليهم قد ينفّرهم من الدّين. وآخرون رأَوْا أنّ التّشديد على النّاس في التطبيق أفضل فشدّدوا ، خشيةً من أنّ الّتيسير عليهم قد يؤدّي بِهم إلى الإهمال أو تجاوز الحدود أو اللاّمُبالاة. وآخرون رأَوْا أن لا تيسير ولا تعسير ، وأخذوا الأمر مأخذ وسط.

 

    ونرى أنّ الكلّ على صواب في اجتهاداتِهم ولو اختلفوا في بعض الجزئيات ، غير أنّه لا يجوز الاختلاف في الأصول ، أو في إزالة القواعد أو في التّخفيف منها إنّما الاختلاف بالتيسير للتّرغيب في القيـام بِها والمحافظة عليها ، ويكون الاختلاف أيضا في المستويات العلميّة والنّظريّات العقليّة والمحبّات الربّانيّة والعلاقات الإنسانيّة. فقد بيّن الله تعالى ذلك في قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً 84 الإسراء.

    فالعمل على الشّاكلة يختلف ، والهداية على السّبيل تختلف ، والمهمّ عندنا هو المضمون الذي يعني أن يكون المسلمون مسلمين حقًّا أي أن تسلم النّاس مِن أيديهم وألسنتهم ، فإن لم يكن كذلك فإسلامهم مختل ، وأن يكون المؤمنون مؤمنين حقًّا هواهم تبعا لما جاءهم به النّبيّ الأمّيّ . فإن لم يكن كذلك فإيمانهم مختلّ . وأن يتحلّوا بالصّدق والإخلاص والتّوجّه إلى الله عزّ وجلّ والعمل بكتابه وسنّة نبيّه قدر الاستطاعة ، فالله لا يكلّف نفسا إلاّ وُسعها.

 

     أمّا ما نراه مِن خلافات وتفرّق الصّفوف وكثرة العداوات فهذا ليس مِن الإسلام وما كان أن يكون عليه المسلمون. وربّما يرجع ذلك إلى اختلافهم عن الأئمّة الخلفاء. فمنهم مَن لا يؤمن إلاّ بالخلفاء الأربعة كأهل السنّة ، ومنهم مَن يؤمن بالخلفاء الاثنى عشر كأهل الشّيعة ، ومنهم كالصّوفية أهل السنّة يؤمنون بالخلفاء على رأس كلّ قرن إيمانا وتصديقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( إنّ الله تعالى ليبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن مَن يُجدّد لها دينها ) رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه. ومنهم مَن لا يؤمن بالخلافة أصلا. فالرّجاء نبذ الخلافات الّتي لم ولن تأتي بنتيجة مِن الحلول وترْك كلّ منهم يعمل على شاكلته والله أعلم بمن هو أهدى سبيلا.

    وقد نعلم أنّ المذاهب الدّينيّة الإسلامية المشهورة أربعة وهي المذاهب السُنِّـيّة:

1- مذهب المالكيّة: للإمام: مالك بن أنس والعاملون به كثيرون.

2- مذهب الحنفيّة: للإمام أبو حنيفة النّعمان بن ثابت والعاملون به كثيرون.

3- مذهب الشّافعيّة: للإمام الشّافعي محمّد بن إدريس والعاملون به كثيرون.

4- مذهب الحنابلة للإمام أحمد بن حنبل والعاملون به كثيرون.

ومذاهب أخرى كثيرة منها ما هو على قواعد الشّرع بظاهره وباطنه. ومنها ما هو بعيد كلّ البعد عن الدّين.

    وإنّ أصحاب المذاهب الأربع المذكورة كانوا متحابّين ومتعاونين على تيسير الأمور للمسلمين كما ذكرنا.

    ونرى أنّ المسلمين منذ إحداث هذه المذاهب تفرّقوا وتمسّكوا بها كل منهم حسب مشربه ، فكلّ مجموعة سلكت مذهبًا واعتنقته على شاكلتها، وترى أنّه الأفضل من غيره مِمّا بعث فيهم العصبية والحميّة إلى أن أصبحت شيئا فشيئا عداوة بينهم. في الحقيقة لا يمكن أن يكون بينهم شيئا إلاّ المحبّة والإخاء والتّعاون على البرّ والتّقوى. و لو وُجد مَن عمِل مِنهم بمذهب آخر أو عمل ببعض ما يعمل به المذهب الآخر، فلا حرج . المهمّ أن يكون ذلك في صُلب الدّين.

 

   لا شكّ أنّ المسلمين كانت معاملاتُهم وعلاقاتُهم لا تزال كلّها مرتبطة بالدّين الإسلامي. أما إذا خرجت عن هذا الإطار تعتبر انحرافا وتطرّفا عن الدّين لا كما يعتبره الكثير من النّاس اليوم من أنّه تطرّف ديني . فحاشا أن يكون في الدّين الإسلامي تطـرّف! لا تطرّف ولا انحراف للدّين، مصداق قوله تعالى: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً 52 النّحل أي قائما ثابتا دائما لأنّه أمْر الله وتدبيره ، لا يحدث التّطرّف فيه ولا منه بل يحدث التطرّف عنه من النّاس كما نرى اليوم في كثير من المجتمعات الإسلاميّة.

 

    ثمّ إنّ بعد وجود هذه المذاهب الأربعة ظهر أئمّة آخرون وأسّسُوا مذاهب أُخرى باجتهاداتِهم ، ونحن لا نطعن في أيّ مذهب مرتبط بالشّريعة الإسلاميّة ولو أنّ كلّ قرن فيه مذهب وكلّ وطن فيه مذهب ! غير أنّنا نتساءل: بماذا ستأتي المذاهب الجديدة ؟ وعلى ما ستحتوي ؟!!!

 

    والسّبب في هذا كلّه العلماء الّذين اختلفوا عن إمام الوقت المجدّد لأمر الدّين وابتعدوا عنه وتنافسوا معه ورغبوا بأنفسهم عن نفسه بل أحدثوا طوائف وتنصّبوا على رأسهـا بعنوان التّجديد مثله وبذلك كثـرت الطّوائف وحدثت الانشقاقات مِمّن هم أدعياء. يقول الله: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 105 آل عمران.

والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: ( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى ) رواه البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.

 

    إذن فالمسؤولية تُحمل مِن الدّرجة الأولى على العلماء بسبب ما ذكرنا. وتُحمل مِن الدّرجة الثّانية على الحكّام حيث كانت الإمارة واحدة ويقوم بها أحد أفراد آل البيت المحمّدي فقتلوهم ولاحقوهم في كلّ مكان وقضوا عليهم فردا فردا ثمّ استولوا على الحكم الظّاهر واعتبروه خلافة ثمّ بعد أزمنة قسّموا الأمّة دويلات وعدّدوا الأحزاب وعملوا بسياسة فرّق تسد . والكلّ ابتعد عن أمر الله وحُكمه ومنهم من يرى أنّ الإسلام هو سبب تخلّف المجتمعات المتديّنة ولذلك أهملوا الحضارة الإسلامية وسارعوا إلى الحضارة التّقدّمية الغربية الخدّاعة . ومنهم من يعمل على التّهود أو التّنصر جهرا أو سرّا وسواء بدافع خاصّ مِن نفسه أو بترغيب مِن المبشِّرين الدّعاة إلى النّصرانية. كما أنّ منهم مَن فصل الدّين عن السّياسة وحكم بغير الشّرع المبين.

 

    وعجبًا لمسلم اليوم ! الّذي يرى أنّ على الله أن ينصره فيما يُريد ، ولم ير أنّ عليه هو أن ينصر الله أوّلا ! مصداق الآية: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ 40 الحجّ. زيادة على أنّه لم يكن في حالة طاعة وتقوى تُؤهّله للانتفاع برحمة الله ، بل وضع نفسه في حالة معصية تَبُوء به إلى عذاب الله ! جاء في الآية الكريمة: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ 29 الفتح. فقد نرى أنّ الآية انعكست اليوم ! فقد أصبح المسلمون أشدّاء بينهم ، رحماء على الكفّار، والكفّار هُم بطانتهم ومستشاروهم ومدبّرو أمرهم ، ومن يهرب منهم يحتمي بالكفّار ، ومن له مال يهرّبه إلى الكفّار ، وحتّى من يتديّن منهم يحتمي بالكفّار ولا يسترشدون ولا يعتمدون إلاّ على الكفّار ، ويرون أنّ شخصيّة أحدهم لا تكون إلاّ إذا تشبّه وتعامل وتوادّ معهم وصار من أوليائهم. ونسي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 51 المائدة.

 

    إخواني... فلنفهم معًا قوله تعالى: "ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم" أي صار من اليهود والنّصارى ، وإنّ الله لا يهدي القوم الظّالمين.

   لا شكّ أنّ مثل هذه الأحداث طامّة عظيمة ، وآثارها علينا جسيمة باتّخاذ الكفّار بطانة ، وليس هذا فقط بل التّصرّف في إمكانياتِهم الثّقافيّة والماديّة والعسكريّة لمحاربة الإسلام والمسلمين كيفما كان ، وأينما كان ، ويرى مَن يفعلون ذلك أنّهم أبلوا بلاءً حسنا ويُرى لهم ذلك ويُقابلونهم بالشّكر الشّفاهي والكتابي كالمدح والأوسمة والنّياشين والجوائز كجائزة نوبل للسّلام الّتي يُوهمون بها المتوهّمين.

 

     إنّ الإسلام حرّم المظالم وخاصّة قتل النّفوس إلاّ بالحقّ . وأفضل حقّ هو أن يكون ذلك في سبيل الله ، وانظر اليوم كم من نفوس تُزهق باطلا في سبيل الطّاغوت. واشتدّت العداوة بين بني الإنسان سواء كانوا كفارا أو مؤمنين ، ولم نعُدْ ندري مَن المحقّ ؟ فهذا يدّعي الشرعيّة له... وذاك كذلك ، وهذا يدّعي الإرهاب عليه... وذاك كذلك ، وكثرت المظالم بأنواعها بسبب أو بدون سبب من هذا الجانب أو من الجانب الآخر. وتعلّق النّاس بالجانب المادّي ونبذُوا الجانب الرّوحي الّذي هو أساس الحياة اليوم وغدا. واختلّت الحياة لمِا تخلّلها من قتْل ونَهْب وغصْب وتعسّف وظلم وعصيان وكفر... بسبب إهمال الدّين وعدم التّمسّك بالشّرع.

 

    والحقيقة لو كان النّاس على صواب وحدث اختلاف بينهم فالحُكم بينهم سهْل لو احتكموا بما جاء بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ 59 النّساء.

نعم ! لو عرضوا الخلاف على حُكم الله والرّسول ثمّ عملوا بذلك ما وقع بينهم خِلاف ، وحتّى لو وقع فإنّه يتلاشى بسرعة بين قوله: "أطيعُوا الله" وقوله "فرُدُّوه إلى الله والرّسول".

 

    وإنّي أقول لِذَوي العقول: لعلّه وشكَ أن يحِلّ أو حلّ بنا زمان يصبح فيه الرّجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا ، يُمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا !

 أين أنتم يا أمّة الإسلام ؟؟ أين أنتم أيّها المؤمنون ؟؟ بل أين أنتم يا معشر العلماء ؟؟ -محور حديثنا- لا يغرنّكم في دينكم افتراء المغترّين ولا يُهيبكم مكر الماكرين ولا سطوة الظّالمين ولا كيد الشّياطين فأين إيمانكم واعتمادكم على ربّ العالمين.

 

    ومع كلّ أسف فقد بلغني وسمعت من بعض عُلماء مسلمين أنّهم ينقمون على إخوان لهم في الدّين بدعوى تعاطيهم أنواعا من أعمال البِدع الدّينيّة في العبادات خاصّة وتمسّكهم بِها ويستدلّون دائما بالحديث: ( كلّ بدعة ضلالة ) صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله.

 

    بحثتُ واطّلعت وتبيّنتُ ، فلم أجد شيئًا ممّا يوجب هذه التّهمة الخطيرة على المسلمين بل إنّ مبعث التُّهمة لهؤلاء إلاّ لكونِهم أُناسًا سلكوا مسلكا فيه التّعلّق والمحبّة والإتّباع على منهاج الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فجعل الله لهم نُورا يمشون به ثم ظهرت منهم أو لهم إشارات ربّانيّة ، أو كرامات لم تبلغ عقول غيرهم ، على هذا تعرّضوا للطّعن ورفض الاعتراف بِهم وحُوربوا بجميع الوسائل وخاصّة الإعلاميّة وتعرّضوا لانتقادات شديدة واستفزازات عديدة.

 

    وهؤلاء القوم المتّهمون لا تقتصر معلوماتهم ولا أعمالهم ولا أحوالهم ولا أقوالهم ولا تنضبط بمُجرّد ضوابط ظواهر الشّريعة بل تتعدّاها إلى أعماق بواطن حقيقتها من الكتاب والسنّة ، حتّى جاءوا بما لم يأت به غيرهم مِن العلماء الآخرين الّذين جمعوا علومهم من الجامعات الكبرى وحصلوا على شهادات عُليا . يرون أنّه لا مجال لجمع العلم إلاّ كما نالوه هم ونسوا أنّ سيّد الأنبياء والمرسلين هو النّبيّ المشهور بالأمّيّة صلّى الله عليه وسلّم وكذلك العلماء الأوّلين والآخرين وأتباعه السّائرون على منهاجه فإنّ مورد علْمهم مِن مورده كما جاء بقوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً 65 الكهف.

    فلنعلم يا إخواني أنّ عِلم الشّهادات هو عِلم القلم ، عِلم اللّسان الّذي جاء في الحديث أنّه حُجّة على ابن آدم  وهو عِلم محدود.

  إذًا فأين نصيب الأمّة من العِلم الممدود المعروف بعِلم القلوب العِلم النّافع ، الّذي يتأتّى لأهله سواء كانوا مُتعلّمين وأصحاب شهادات أو أُمّيّين ؟ فإنّ هذا النّوع من العلم لا تتوقّف معرفته على شرط أو أمـر مُعيّن  إلاّ أنّه موهبـة من الله عزّ وجلّ يختصّ بها من يشاء من عباده.

    والمثـل الأعلى على ذلك في خرق العادات لأنّ علم أحكام الشّريعة قد ينتهي والعلم بصاحب الأحكام جلّ جلاله لا ينتهي. وهو الّذي قيل فيه: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً 114 طه. فإنّه العلم بالله ، وزاده الله لكثير من خلقه تفضيلا عليهم ، وآخرون موقفهم منه التّنكير عليه والقدح والذّم ، والزّرع لأسباب الجفاء بين أفراده وخاصّة بين عُشّاق السيّد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وجلسائهم.

    نعم ! لا شكّ أنّ العلماء ليسُوا سواء ، لا يستوي عُلماء الظّاهر كما لا يستوي عُلماء الباطن. والدّليل في ذلك أنّ عُمر وابن العبّاس رضي الله عنهما قد عَلِما عند نزول سورة النّصر أنّها نعْيٌ للنّبيّ سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، أمّا غيرهم فقد فرح بالنّصر لِمَا تبيّن من لفظها الظّاهر  .كذلك بكى العبّاس رضي الله عنه ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( ما يبكيك يا عمّ ؟ قال: نُعِيَتْ إليك نفسك ، قال: إنّه لكَما تقول ) عن كتاب القرطبي.

 

    فلنقف هنا جميعا لنتحاكم أو لنتفاهم أو لنتصالح ونتضامن ونتعاون على البرّ والتّقوى . فهل أنّ نزول سورة النّصر بما فيها من آيات ومعان نجد فيها نصًّا شرعيّا صريحا على نَعْي النّبيّ ؟ فقد فهم بعض الصّحابة تأويل النّعي وصرّحوا به للرّسول فوافقهم على فهمهم البليغ.

  وكذلك قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا 41 الرّعد ، اخْتُلف فيه: فقال ابن العبّاس ومجاهد رضي الله عنهما: "ننقصها من أطرافها" بمعنى موت علمائها وصُلحائها ، وهو المفهوم المتداول بين المسلمين.

 

    فبالله عليكم ، هل هذا نصّ شرعيٌ صحيح ؟ فإنّ الآية تتحدّث عن الأرض فلماذا نؤوّلها بالعلماء ؟ نعم يا إخواني هذا صحيح فلا تتعصّبوا لآرائكم ولا ترفضوا تأويل المؤوّلين لكتاب الله سِيَّما إن كانوا عُلماء ، وتتّهموهم  بالجهل والضّلال لأنّهم لم يكونوا مثلكم أو على شاكلة مذهبكم الّذي ترونه أنتم قويما.

   كُفُّوا عن دعاويكم واتركوا المؤمنين يتمادون انتفاعًـا بكتابِهم وسنّة رسولهم كلٌّ حسب استطاعته وفهْمه ورغبته. ولا تتّهمُوا الصّادقين المصلحين بالبِدع والشّرك والكفر.

 

    اتّقوا الله إخواني ! واستغفروا لذنوبكم . إنّكم كثيرا ما أسأتم للقوم أهل الله الّذين اشتركوا مع غيرهم في فهم ظاهر اللّفظ واختلفوا عنهم في القصد ، كما أنّهم اشتركوا في المشهود واختلفوا في الشّهود ، كذلك اشتركوا في المسموع ، واختلفوا في الاستماع. وقد قال الله تعالى في مثل ذلك: ﴿يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ 4 الرّعد.

 

    واعلموا أنّ الله ما اتّخذ وليًّا جاهلاً إلاّ علّمه ، حيث ابتدأ تعليمه به أي بالله ثمّ بأحكامه. أمّا بقيّة العلوم فليست شرطا في صحّة الوَلاية ، وإنّما هي شرط كمال . فقد جاء في الأثر: ( مَن لَم تُغنه معرفة الله فذلك هو الشّقيّ ) فأولياء الله أغناهم الله بمعرفته وأولئك هُم العارفون حقّا.

   والدّليل في ذلك أنّ الله يُعلّم أولياءه أوّلا بالعِلم به ، ثمّ إن أمكن بعد ذلك بأحكامه . وعامّة العُلماء يتعلّمون العلم بأحكامه أمّا العلم به فلا يتيسّر لهم إلاّ أن يشاء الله.

    وكان الطّبيب صاحب حاشية الكشّاف يقول: "لا ينبغي للعَالِم ولو تبحّر في العلوم حتّى صار واحد أهل زمانه أن يقنع بما عنده ، وإنّما الواجب عليه الاجتماع بأهل الطّريق ليدلّوه على الصّراط المستقيم ، حتّى يكون ممّن يُحدّثهم الله في سرائرهم من شدّة صفاء بواطنهم..." إلى أن قال: "... حتّى يصير يقتبس من أنوار النّبوّة " قلتُ: وكيف يستغني العالم بعلمه مع أنّه مُقصّر في فهمه ؟

نعَم ، ورغم أنّه مُقصّر في فهمه والحال أنّه يلوم على غيره مّمن فتح الله عليهم.

قال عزّ الدّين بن عبد السّلام رحمه الله: "قد قعد القوم أي الصّوفيّة على قواعد الشّريعة الّتي لا تنهدم دُنيا وأخرى ، وقعد غيرهم على الرّسوم ".

ولكم أمثلة في ذلك:

1- من المعلوم أنّ سيّدنا محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم هو الإمام الأكبر وهو أعظم عالِم ، غير أنّه قال: ( إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب ) رواه البخاري ومسلم عن بن عمر. ورغم ذلك فمعجزاته فاقت كلّ المعجزات وغمرت الأرض والسّماوات.

2- العبد الصّالح في سورة الكهف: ﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً [65 الكهف].

    إنّنا نعلم حقّ اليقين أنّ الله تعالى إذا أمر بشيء نَهى عن ضدّه وإذا نهى عن شيء أمر بضدّه ، وفيما يلي قوله: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ 36 الإسراء. فهذه إشارة على أن نتّبع مَن لنا به عِلم من أهل العلوم الظّاهرة أو الخفيّة وندع الجاحدين لفضل الله النّاكرين لنفع أوليائه للنّاس. ونتوكّل على الله فهو حسبنا ونِعم الوكيل.

3- ليكن في علم الجميع أنّ عِلم الكتاب لا يقتصر على ما جاء بظاهره من لفظ مقابل للمعنى  بل قد يكون اللّفظ معناه باطنًا ويُستخرج منه عدّة معانٍ.

    وفيما يلي إليكم الأمثال على ذلك: فهذه قصّة ملكة سبأ أتى بعرشها إلى سيّدنا سليمان عليه السّلام من سبأ باليمن إلى جهة المقدس رجل عنده عِلم من الكتاب ، كما جاء على لسان القرآن: ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ¤ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ¤ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ 38-40 النّمل.

     فمن هو هذا الّذي عنده علم من الكتاب ؟ فالكتاب عند اليهود والنّصارى والمسلمين ، ومنهم بل ومنكم عُلماء حاملون شهادات عُليا كالدّكتوراه ، وعندهم عِلم من ظاهر الكتاب . هل منكم من يستطيع أن يقوم بمثل هذا العمل الّذي حصل  أو ما شابَه ولو بقليل ؟ أبدًا... حاولُوا ! أبدًا... إنّما الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

 

   فاعترِفُوا بفضل الله وإيتائه لمن يشاء ، خير لكم. وتأدّبوا مع من أتاه الفضل وتعاونُوا معه ولا تسعوا في إيذائه بغضًا وحقدًا. فالله يقول: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 76 يوسف. وقال أيضا: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ 269 البقرة.

    فالحِكمة يُؤتيها الله من يشاء من عباده ، وأصحاب الحكمة هُم أهل الخير الكثير من  الله . فكيف يأتي من تعلّم لغة ونحوًا وصرفًا ويحسب نفسه أنّه عالم ! ويُدرج نفسه ضمن العلماء  والحال أنّه يجهل الحِكمة الربّانيّة  بل يُعاديها وأهلها أُولِي الصّلاح والفلاح.

    وقال الفقيه ميمون رحمة الله عليه: "أقبح من كلّ قبيح أن يتعلّم الإنسان نحو اللّسان يُعلّمه ولا يتعلّم نحو القلوب ويُعلّمه مع أنّه محلّ نظر الربّ".

    فإذا كان نحو اللّسان مع نحو الجَنَـان كان صاحبهما في أمان ولا يُخشى عليه الخسارة والخذلان يوم وقوفه بين يدي الرّحمـٰن ، لأنّ الله لا يُثيب العباد على إعرابِهم وإنّما يُثيبهم على قلوبِهم. ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظـر إلى قلوبكـم ) رواه مسلم. فالكتاب في مُتناول كلّ النّاس أو جلّهم وخاصّة مَن هُم علماء بالدّين الإسلامي نتوجّه إليهم فنسألهم هل عندهم هذا العلم الّذي ذكرنا ؟ وننتظر قليلاً حتّى يستحضرُوا الجواب... ثمّ نفسح لهم المجال لذلك: فسيكون جوابُهم صمتًا أو كلمة: "مستحيل" لمن أراد الله بِهم خيرًا. أمّا من هم على غير ذلك فسيأتون بتأويلات وتعقيدات أخرى قصد الإعجاز أو قصد إظهار ما قلنا بأنّه بدعة وشرك وكُفر كعادتِهم !

 

    فالعبرة إذًا بالحِكمة ومن أوتيها ، لست أعنـي الحِكمة الّتي يفهمها عامّـة النّاس بالسّحر والدّجل والشّعوذة ، معاذ الله أن يكون أولياء الله في هذا المستوى ، وما ينبغي لهم ذلك أبدًا. ولا يكون ذلك إلاّ لمن كانُوا أعداءً لله من الشّياطين وأوليائهم.

 

    وصَدِّقْ أنّ ما تراه أو ما تسمعه عنهم فإنّه ليس من الكرامة في شيء  بل هو استدراج ، مصداق الآية: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ 182 الأعراف.

    وأمّا قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً 122 النّساء. فإنّ لها معان كثيرة منها: أن قول الله لا أصدق منه قول ، وكذلك: لا أصدق ممّن يقول لنا من قول الله الّذي جاء بالوحي . ثمّ نستفيد ونستنتج من ذلك أن لا أحد أصدق من الّذي يقول من الله بواسطة إلهام لأنّه سبحانه وتعالى علّم الإنسان ما لم يعلم ، فشهادات هذا الإنسان من المعهد الأعلى للْعوارف اللّدنيّة والمعارف الربّانيّة الممتدّة من حضرة الألوهيّة سواء كانت له علاقة بالعلوم الأخرى أو ليست له علاقة.

  سُئل الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: ( أعندكم من الوحي غير القرآن ؟ قال: لا ، والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسَمة إلاّ فهْمًا يُعطيه الله تعالى رجلا في القرآن ) رواه البخاري عن جحيفة.  هذا الحديث إشارة إلى حِكمة الإلهام.

    فكيف أيّها النّاس تُحاولون تعطيل الحِكمة والإلهام والمشاهدات والكشوفات الّتي قد تأتي مِن فَهْمٍ أتاه الله عبدًا في كتابه ؟ وهذا الكتاب إمّا ان يكون ما بين أيدينا من القرآن الكريم أو هو الّذي مكنون باللوح المحفوظ.

    ولا شكّ أنّ هذا الصّنف من النّاس هم الحكماء وهم قليلون جدّا وكادوا يكونون مخفيّين. لقد أكرمهم الله بحِكمته سواء كانوا علماء أو أمّيّين وأصبحوا بالحِكمة من أبرز وأفضل العلماء ولا فخر.

        ولعلّ البعض مازال لم يدرك ما نقول فيبحث ويسأل عن النّصّ الشّرعي والحال أنّ ما يسأل عنه يقع بالتّلقّي من الشّارع مباشرة . صدق الله القائل: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ 43 النّحل. والحِكمة تقول: "كلّ علم يُسأل عنه أهله".

    فميدان هذا العِلم الّذي نتحدّث عنه واسع عريض وأهله موجودون. غير أنّ النّاس انشغلوا عنه بما لا يعني وأصبحوا ينفرون منه لما فيه من انضبـاط بالشّريعة وآداب مع الله تعالى وحُسن معاملة مع الخلق من جهة ، ومن جهة أُخرى لتسيّب ضغوط تيّارات الهوى العديدة المتتالية عليهم مِن أنظمة الحضارات الخدّاعة وجميع وسائلها وخاصّة الإعلامية بما فيها من مغريات ومتع ولهو ولعب حتّى ابتعدوا عن العلم النّافع بصفة خاصّة  إلى درجة أنّهم أصبحوا يُنكرونه.

    العلماء: قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 11 المجادلة. فَمِن الّذين حصل لهم الرّفع لا يمكن أن يطّلع عليهم أو يعرفهم من هو أسفل منهم مقاما إلاّ أن يشاء الله.

    وهذا سبب الإنكـار من طرف العامّة وبعض الخاصّة على من كلّفهم الله بمقام الإرشاد أو مقام الولاية العظمى ، كذلك الإنكار مِن أغلب علماء الشّريعة الّذين يريدون أن يُلزموا النّاس بظواهرها ويمنعونَهم ويحرمونَهم من فضل حقيقة بواطنها الّتي هي جوهر الدّين وربّما يرجع ذلك إلى أمرين:          

1- إنّهم لم يدركوا أمر الحقيقة ويرون أنّه عار عليهم أن يتّبعوا من هم جاهلون حسب زعمهم من أهل الولاية الّذين يرَوْن أنّهم لم يُساووهم في مظاهرهم ومراتبهم العلميّة ومناصبهم الفخريّة.

2- يرَوْنَ أنّ أهل الحقيقة لو كانوا علماء لكانوا معهم في صفوف أهل العلم الّذي خاضوه ، أو يروْنَ أنّهم ليسوا من أهل الشّهادات الّتي لديهم أو ليسوا مِن المؤسّسات الدّينيّة الّتي أسّسوها وانتسبوا إليها وهذه أسباب أدّت ببني إسرائيل في عهدهم إلى تعمّد  قتل سيّدنا عيسى عليه السّلام لنكرانِهم لِما جاءهم به.

    ونسُوا أنّ أفضل الشّهادات هي ما جاء بقوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ 18 آل عمران.

    فالشّهادة هذه ليست لكلّ العلماء بل هي تخصيص لأولي العِلم. وأولو العِلم هُم من جمعوا بين الحقيقة والشّريعة وهُم الّذين لهم تأويلات في القرآن والأحاديث تختلف عن فهم غيرهم ممّا جعل عامّة العلماء ينفرون منهم وينكرون عليهم ويتّهمُونَهم بأنّهم تعاطوا شيئا عظيما ليس هو في إمكانِهم وغير ممكن لهم. وعلى هذا سمّوهم "مبتدعين" وهذا ما كان في مُتناولهم لقصر هِمَمهم وضعف اطّلاعهم وضيق مدارك معلوماتِهم.

 

    وصدق سيّدنا عيسى عليه السّلام الّذي جاء عنه أنّه قال في إنجيل "لوك": "مالكم يا علماء الشّريعة فإنّكم خطفتم مفتاح المعرفة فلا أنتم دخلتم ولا تركتم الدّاخلين يدخلون ؟ " أخذناه عن كتابهم الإنجيل " كتاب الحياة " عربية فرنسية.

    ولا شكّ أنّ الّذين أُوتوا العلم كالّذين أوتوا الحِكمة ، ولعلّ أهل الحِكمة هم أنفسهم أهل العلم ، فالعلم والحِكمة موهوبان إليهم مِن لَدُن الوهّاب جل جلاله وعلى ما يبدو أنّه يمكنهم الإحاطة بشيء مِن علم الله ، مصداق الآية التّالية: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ ( علم الذات ) ﴿ إِلاَّ بِمَا شَاء  ( علم الصّفات ) 200 البقرة. ويُصدِّق لنا هذا الفهم قوله صلّى الله عليه وسلّم: ( تفكّروا في خـلق الله ولا تفكّروا في الله ) رواه ابن النجار والرافعي عن أبي هريرة . لأنّ الخلق من صفات الخالق جل جلاله ، والتفكّر أعظم عبادة ، وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( فِكرة ساعة خير من عبادة ستّين سنة ) رواه أبو الشيخ في العظمة. 

    نعَم  ، "ولا يحيطون بشيء من علمه" حُكم عام ، والاستثناء "إلاّ بما شاء": حكم خاصّ لمن شاء الله له أن يُحيط بعلمه الكامن في: "أشهد أنّ محمّدًا رسول الله" لأنّ كلمة أشهد أنّ محمّدًا رسول الله تتعلّق بعُلُوم ويالها من عُلُوم...

    فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليُعلّمه ، وأمرهُ بذلك في قوله: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ 19 محمّد. أي: استغفر من جهلك لاعتقاد وجود غير الله في هذا الوجود كما جاء في الحديث القُدسي: "كان الله ويكون وليس غيره شيء".

فكلمة: "فاعلم" -الآية- معناها العام: "اعْرِف" بأنّ الوحدانيّة لله تعالى ومعناها الخاصّ: اعرف من الله على الله بالله ، ولم يقل: تعلّم أنّه لا إلـٰه إلاّ الله.

"فاعلم": فالعلم يَبْلُغُـكَ من الله القائـل: ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 5 العلق. وقال: ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ 68 يوسف.

و"تعلّم": فالعلم تطلبه أنت ، وشتّان بين مَا مِن الله إليك من العلم الموهوب ، وما تطلبه منه بالعقل من العلم المكسوب.

    وكذلك فإنّ كلمة "فاعلم أنّه لا إلـٰه إلاّ الله" تكون مترادفة مع "أشهد أن لا إلـٰه إلاّ الله" المتعلّقة بالذّات والمنصوص عليها بسورة الإخلاص ، ولا يعقلها إلاّ العـالمون: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 الإخلاص.

 فاعلم واشهد وقل متعلّقة بالأحديّة وهي الذّات "الله" ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ 2 الإخلاص: متعلّق بالواحديّة وهي الصّفات: الأسماء الحسنى الّتي اشتملت عليها: أشهد أنّ محمّدا رسول الله.

    ولا يمكن أن نتحدّث عن شرح حقيقتها في هذا الموضع ، لئلاّ تكون فتنة لعدم إدراك العقول بسهولة لوصفها. ونقتصر على قولنا: أنّ العبادة هي وسيلة لمعرفة الله تعالى ذاتا وصفات والّتي كانت أوّل قاعدتِها في الدّين هي الشّهادة ، والشّهادة باللّسان هي استدلال على المشهود بالوحدانيّة قبل المعرفة ، والأفضل بعد المعرفة حيث تكون شهادة عِيان. ويبدأ المؤمن بالشّهادة القولية باللّسان ، ثمّ منها ينطلق إلى شهادة المعرفة الحقيقيّة الّتي نُصّ عليها في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 56 الذّاريات.

    يقول بعض العلماء: أنّ معنى " ليعبدون" ليشهدوني وليعرفوني ، والمعرفة هي كما ذكرنا لا تكون إلاّ بالشّهادة الحقيقيّة إذ لا معرفة بدون شهادة.

 

     لِذا فلا نكتفي يا إخواني مِن هذه الكلمة -الشّهادة- المشرّفة بمجرّد القول لأنّكم إذا اكتفيتم منها بذلك كان حظّكم منها اللّسان وليس ذلك هو الشّأن إنّما الشّأن أن تعرفوا الله كما كان . وهو ما نصّ عليه الحديث القدسي المذكور قبل قليل ، فترتاحوا حينئذ من أثقال النّفي: "لا إلـٰه إلاّ" ولم يبق لكم إلاّ الإثبات: "الله" حتّى إذا قلتم تقولوا: الله ، الله.. وأمّا الآن فأنتم مشغولو القلب ضعيفو اللّبّ ولم تزالوا في النّفي منذ خُلقتم ، فإلى متى ينقضي هذا النّفي ؟ كلاّ !.. لا ينقضي ، لكونكم تنفُون بالقول فقط ، فلوْ نفيتم بالعقل أي بقلوبكم وسرّكم ولبّكم لانتفى الكلّ من نظركم ووجدتم الله بدل أن تجدوا أنفسكم فضلا عن أبناء جنسكم !

     فالقوم أهل الله نَفَوْا وجود الغير مصداق قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ 26 الرّحمان. واستراحوا ودخلوا حصن الله وما برحوا ، وأنتم مازلتم تنفون مذ خُلقتم إلى أن تموتوا !

     جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه: ( يُبعث كـلّ عبد علـى ما مات عليه: المؤمن على  إيمانـه ، والمنافق على نفاقه ) رواه ابن حبان.  ولو صحّ لكم النّفي لصحّ لكم الإثبات.

    وإنّي أتوجّه إلى النّاس كافّة وخاصّة العلماء ، وأقول: أيُّ عِلم لعالم يُدعى إلى الإسلام وهو ينكر ويطعن في أحوال القوم أهل الله: أهل الخصوصيّة الّذين هُم بلا شكّ أئمّة المتّقين ، والّذين هم يُمسّكون بالكتاب إضافة إلى الذّكر المحْدَثْ أو نقول: الذِّكر الملْهَمْ ، وهو ما لم يكن معروفًا بكتاب ولا بسُنّة ولا بإجماع.

    ونصّ القرآن الكريم على ذلك في آيتين كريمتين:

- ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ¤ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ 1-2 الأنبياء.

- ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ 5 الشّعراء.

    وأيّ عِلم لعالم ليس له نصيب من هذا الفضل العظيم ولا يرغب في الحصول عليه ولا البحث والسّؤال عنه من أهله ؟ وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: ( أدّبـني ربّي فأحسـن تأديـبي ) ابن السمعان في أدب الإملاء عن ابن مسعود رضي الله عنه.

    والتربية أو الأدب لا تكون إلاّ بالعلم من الله ، وقد جاء في الحديث القدسي: ( يا عبادي !...وكلّكم ضالّ إلاّ من هديتُ فسلوني الهدي أهدكم.. ) رواه مسلم عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه.

     فـ"كلّكم": تشمل الكلّ: الجـاهل والعـالم ، وتشمل الضّال والمهتدي ، لأنّه إذا لم يكن في العِلم وفي الهداية نفعًا أعني بذلك إخلاصًا لوجه الله يبقى العالم كعادته جاهلا والمهتدي ضالاّ.

    وتأييدا لِما ذُكر فقد قال الله في مُحكم التّنْزيل: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ 5 البيّنة.

    فالعالِم والعابد والغنيّ والزّاهد والشّهيد وغيرهم إذا لم يُخلصوا في أمرهم إلى الله فقد يُردّ عليهم عملهم. وأنتم تعلمون حقّ العلم أنّه يوم القيامة يُنادى على العلماء والأغنياء والشّهداء. فمن لم يكن عمله مخلصا لوجه الله سِيق به إلى النّار.     

    أعاذنا الله وإيّاكم من هذه الأحوال الذّميمة وجعلنا ممّن أشار إليهم بقوله عزّ وجلّ فيما يحكي عنه جبريل عليه السّلام لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( الإخلاص سرّ من  سرّي أستودعه  قلب من أحببتُ من عبادي )رواه أبو القاسم القشيري في الرسالة عن علي بن أبي طالب.

    سمعت ذات مرّة عن طريق قناة إذاعيّة أحد العلماء الّذين أثق بِهم يجيب عن سؤال متعلّق بوجود الله عزّ وجلّ في كلّ مكان.

    فكان الجواب بسخط من هذا العالم على هذا الاعتقاد. وقال: إنّ الله تعالى مُنَزّه على أن يوجد في كلّ مكان ، فهو بحسب زعمه وفهمه موجود فوق العرش واستدلّ بقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [5 طه].

    نعم ، فالاستدلال صحيح على الاستواء ولكنّ الفهم للكيفيّة مجهول ، وما دامت الكيفيّة مجهولة ، فالاستواء مجهول كذلك ، ولو عرفنا بالضّبط كيفيّة الاستواء ما أنكرنا على صاحب السّؤال عقيدته ، لأنّه سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ¤ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ84-85 الزّخرف. يدلّ بقوله العزيز على أنّه يوجد في ملكه ويدبّر شؤونه ويُشرف عليه مباشرة: - فيوجد في الظّهور وهو الظّاهر كما يوجد في البطون وهو الباطن.

  - ويوجد في عالَم الغيب كما يوجد في عالَم الشّهادة.

والعوالم كلّها عند الله شهادة ، فلا غيب عنه ولا بعيد يمكن أن يقرب إليه ، ولا قريب يمكن أن يبعد عنه ، فهو حكيم سبحانه وتعالى في كيفيّة إيجاد العالمَ وهو العليم بالموجودات الّتي تجلّت من اسمه الواجد.

    فإن قلنا أنّ هذا الإيجاد يتعلّق بالصّفات كالقدرة والإرادة مثلا علينا أن نعلم أنّ الأسماء والصّفات مرتبطة مباشرة بالذّات الإلـٰهيّة ولا تكون إلاّ بِها ، وتأثيرها منها وغير منفصلة عنها. ففي هذه الحال يعتبر الموصوف مرتبطًا بوصفه.

فأشعّة الشّمس وجودها مركّز على ظهور الشّمس ، إن غابت غابت أشعّتها ، أمّا الله جل جلاله فهو الظّاهر لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء ، فلا يغيب عن مكان ولا زمان ولا حال ، والأدلّة في ذلك من الآيات كثيرة:

   - ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 4 الحديد.

   - ﴿اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ 153 البقرة.

   - ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا 7 المجادلة.

   - ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 115 البقرة.

   - ﴿وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ 3 الأنعام.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( إنّ الله تعالى يوم القيامة يقول: يا ابن آدم ، مرضتُ فلم تعدني ، قال: يا ربّ كيف أعودك وأنت ربّ العالمين ؟ قال: أما علمت أنّ عبدي فلان مريض فلم تعده ، أما علمتَ لو أنّك عدته لوجدتني عنده.. ) رواه مسلم. 

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله تعالى: ( يَسُبُّ بنو آدم الدّهر ، وأنا الدّهر ، بيدي اللّيل والنّهار ) رواه مسلم.

    وفي حديث آخر طويل نقتصر على ذكر ما يتعلّق بالموضوع منه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (.. والّذي نفس محمّد بيده لو أنّكم دُلِّيتُم بحبل إلى الأرض السّفلى لهبطتم على الله. ثمّ قرأ: "هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن وهو بكلّ شيء عليم" ) رواه الترمذي.

    على هذا التّقدير لا يمكن النّظـر والاعتقـاد في الله جل جلاله بأنّه مادّة ! ولا يمكن لنا تجسيده حتّى لا نُحجَب عن فهم الحقيقة ، فإنّه سبحانه وتعالى منَزّه عن التّجسيد وهو ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ 11 الشّورى. سأل الزّمخشريّ الإمام الغزالي عن الاستواء في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى 5 طه؟ فأجابه:

قلتُ لمن يفهم عنّـي مـا أقـول     قَصُر القـول كذا شرح  يطــــول

ثمَّ سـرّ  غامـض مـن دونــــــه     قصّـرت والله أعنـاق الفحــــول

أنـت  تعـــــــرف إيّــاك  ولا     تدري من أنت ولا كيف الوصول

لا ولا  تدري صفات رُكّبـــت     فيك  وحارت في خفاياها  العقول

أين منـك الرّوح في جـوهــــرها     هل تراهـا أو ترى  كيف تجــول

هـذه  الأنـفاس لا  تحصـــــرها     لا ولا تـدري متى عنك تــــــزول

أيـن منك  العقـل  وفهـــــم إذا     غلب النّوم فقـل  لي يا  جهـــــول

أنـت أكْـل  الخبـز لا  تعـرفــــــه    كيف يجري  فيك أو كيف  تبــول

فإذا كـانت  طـوايـاك الّتـــــــي    بين  جنبيـك كذا  فيها  ضلــــــول

كيف تدري مَن على العرش استوى    لا تقل كيف استوى كيف النّزول

فهـو لا كيـف ولا  أيـن  لــــــــه    وهو ربّ الكيف والكيف   يحـول

وهـو فوق الفوق لا  فـوق  لـــــــه   وهو في كـلّ النّواحــــي  لا  يـزول

جــلّ ذاتـا و صفاتـا و عـــــــلا    وتعـالـى  ربّنـا  عمّـا  تقــــــــول

* * * * *

 

     وقد نرى أنّ آخرين كيّفوه بمقتضى فهمهم وزعموا أنّه على العرش استوى ! نعم ، فالاستواء قد يكون معلومًا أمّا الكيف فهو مجهول ، فالله جلّ شأنه وعلا سلطانه نور ، قال مُبيّنا لنا ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ 35 النّور. على هذا فإنّ العِلم أصناف ، والّذي يهمّنا في الموضوع ونشير إليه هو العِلم اللّدني ، العِلم من الله وبالله وفي الله ، الّذي اختلف النّاس في فهمه والاعتراف به.

 ومن هم يا تُرى أصحابه ؟

    فالعلم اللّدني هو ما عُلِّم العبد من الله بدون واسطة عالِم أو كتاب أو جهاز  موثوق بوجود أهله بين أفراد الأمّة المحمّديّة . وقد يُؤتيه الله من يشاء من عباده وسواء أظهره أو أخفاه ، والإخفاء أمكن وأولى في هذا الزّمان ، والدّال على وجود هذا العلم الآيات القرآنيّة التّالية:

   - ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ 15 الأحقاف.

   - ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ¤ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 7-8 الشّمس.

    فكلمة "ألهمها" من الإلهام أي أوزعها . فإذا أردنا أن نطعن في هذا التّأويل وقلنا لا يمكن هذا فإنّنا سنصطدم بالواقع بمجرّد اطّلاعنا على ما جاء بكتاب الله الّذي فيه وبه الحُكم . فيتبيّن لنا أنّ الوحي والإلهام يكون لمن أراد الله أن يوحي إليه ، فهو متعلّق بالإرادة:

-    ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 82 يس.

    ونرى أنّ الله تعالى أوحى إلى الآدميّين من غير الأنبياء:

  - ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي 111 المائدة.

   وإذا أراد الله أن يوحي إلى حشرة أوحى:

-    ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً 68 النّحل.

    وإذا أراد الله أن يوحي إلى جماد أوحى:

  - ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ¤ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ¤ وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا ¤ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ¤ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا 1-5 الزّلزلة.

    وإذا أراد الله أن يوحي إلى الملائكة أوحى:

-    ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ 12 الأنفال.

    زيادة على الوحي إلى الأنبياء والرّسل فهم بطبيعتهم محور الوحي وهدفه. ولزيادة إيضاح وإظهار فضل الله على عباده ، نذكر الآية التّالية مع شرحها: ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 22 المجادلة.

1- "كتب في قلوبِهم الإيمان": أي رسّخه وثبّته لهم غير قابل للمحو والتّلاشي بإذن الله.

2- "أيّدهم بروح منه": التّأييد والنّصر والتّمكين ويكون هذا الرُّوح جُندًا أو سرًّا أو إلهامًا منه تعالى إليهم.

3- "يدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنْهار خالدين فيها": فَهُم أحياء في الدّنيا بذكر الله وفي الآخرة بنعيمه الحسيّ والمعنوي ولا موت فيها أبدا ولا ابْتِئاس.

4- "رضي الله عنهم ورضوا عنه": حصل رضاهم على أمر الله كلّه: رخائه وشدّته ، عادته وعبادته ، دينه ودنياه ، ورضي تعالى عنهم للطّاعة والإخلاص فيها له.

5- "أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون": عظُمت نعمة الله ومِنَّتـه عليهم إذ أشار إليهم بأنّهم هم حزبه وهُم المفلحون حقّا ، نعم ولا فخر !  فهل أبلغ من هذا الفخر فخر ، حيث أنّ الله أيّدهم برُوح منه وجعلهم حزبه وبيّن أنّهم هم المفلحونَ.

     يا لها من كرامة عظيمة عليهم في تأييدهم برُوح منه والحال أنّهم لم يكونوا في مرتبة النّبوّة وهذا شأن كبير لإثبات الحجّة خُصوصا إذا قارنّاه بقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ¤ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ 52-53 الشّورى.

   وإن كان سبب نزول هذه الآية في حقّ الرّسول سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم خاصّة ، غير أنّه بحُكم التّأسّي به إذا رغب أقرابه وأحبابه وأتباعه في ميراثه فلا حرج على الطّالب إن شاء الله . وله أن يستمدّ من مشكاة نبيّه ورسوله الّذي هو رحمة للعالمين ورسول النّاس أجمعين. وتحدّث عن البحر ولا حرج !... واشكرْ فضل الكريم وصلّ عليه وسلّم تسليما ، وتمادى بلا انقطاع في حمد وشكر أكرم الأكرمين وأرحم الرّاحمين جل جلاله: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً 114 طه.

    نعم ، فقد يتقارب معنى الآيتين:

   "أوحينا إليك روحا من أمرنا": في شأنه صلّى الله عليه وسلّم.

   "وأيّدهم برُوح منه": في شأن قومه صلّى الله عليه وسلّم.

   فالمطلوب منّا جميعا أن ننبذ الخلافات وأن نتعاون على البرّ والتّقوى وأن نتعاطى الأسباب ، سعيا للحصول على هذه الحال الشّامخة الربّانية بتدفّق الفيوضات الرّحمـٰنية.

   والمثل يقول: إنّ القرب في الأنساب لا ينفع مع البُعد في الأسباب . فإذا ابتعدت الأمّة عن تعاطي أسباب الخير ابتعدت عن هذه الحال ، وربّما أنكرتْها وعادتْها ! وتلك الطّامّة الكبرى لا قدّر الله.

   وقد نرى جانبا منها مُتفشّيا في جانب كبير من الأمّة ممّا أدّى إلى انخرام توازنِها ووقوعها في الفشل والوهن.

   فرسولنا ونبيّنا سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم أقربُ إلينا نفعا إذ قرّب منّا كلّ فضل حيث يقول: ( آل محمّد كلّ تـقي ) رواه البيهقي في سننه. والآن فعلى كلّ تقيّ حاذق أن يعرف إمامه الخليفة الّذي أيّده الله مِن بيـن مَن أيّدهم برُوح منه ، ويسعى إلى رِضاه لأنّه أبـوه الرّوحي ليتمكّن بذلك أكثر من ميراث نبيّه صلّى الله عليه وسلّم الّذي تركه لنا عندالعلماء الأئمّة ، ورضاه الّذي ذكرناه هو السّعي للعمل بالكتاب والسُنّة. 

    ولربّما أراد أولئك العلماء الحدّ مِن التوسّع في أعمال المعتقدات والعبادات والعلاقات ، حتى لكأنّهم خلفاء للرّسول صلّى الله عليه وسلّم مصداق الحديث التّالي: ( اللهمّ ارحم خُلفـائي الّذين يأتـون من بعـدي الّذين يروُون أحاديثي وسُنني ويُعلّمونَها النّاس ) للطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه. ورأوْا أنّ عليهم أن يتكلّموا بما شاءوا ونسوا أنّ الأمر مرتبط بقوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ 30 الإنسان.

    واستغلّوا مواقفهم العلميّة المحدودة ومناصبهم الوظيفيّة المحروسة بمُقتضى نظام وقياس معيّن حتّى بارزوا أولياء الله نصّ الحديث التّالي:

( إنّ يسير الرّياء شرك وإنّ مَن عادى لله وليّا فقد بارز الله بالمحاربة ، إنّ الله يحبّ الأبرار الأتقياء الأخفياء الّذين إذا غابوا لم يُفتقدوا وإن حضروا لم يدّعوا ولم  يُعرفوا ، قلوبُهم مصابيح الهدى يخرجون من كلّ غبراء مظلمـة ) سنن ابن ماجه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.

    وإنّ ممّن ينتسبون إلى العلم قد تسبّبوا في إبعاد النّاس عن أهل الوَلاية الربّانيّة الممتدّة معلوماتها إلى الظّاهر والباطن لكنّ خلافة هؤلاء ليست هي أيضا لكلّ من ادّعى عِلما أو عملا ، بل جاء فيهم أنّهم أخفياء لم يُفتقدوا ولم يُعرفوا.

    إذا غابوا بالموت أو بغيره لم يفتقدوا بالنّفع للنّاس بآثارهم. وإذا حضروا أشباحا أو سرّا وأرواحا لم يُعرفوا لأنّ صفتهم التّقى والخفاء.

   وأخيرا فإنّ لي بعض مُلاحظات لتصويب الأمور أريد أن أسْردها على النّاس بصفة عامّة وعلى كلّ من كان من أهل الله بصفة خاصّة ، أذكر منها ما أمكن وأوصيكم ونفسي بتقوى الله وتجنّب ما ينتج عنها من خِلافات.

 

    إنّ كثيرا من الطّوائف أو المذاهب الإسلاميّة يعتقد كلّ منها أنّ الخليفة الإمام المصلح المجدّد منها . وهي على حقّ والآخرون على غير ذلك ، ومنها مَن تُحاول فرْض نظريّاتِها بزعامتها على المجتمعات الإسلاميّة حاملة على غيرها من المذاهب ، شانّةً عليها حملات تنكيريّة شديدة اللّهجة وخاصّة على أهل التّصوّف الإسلامي. أمّا الذين يدّعون التّصوّف ويحسبهم الخاصّ والعام على حساب الصّوفية فإنّهم ليسُوا منه في شيء بل شوّهوه بسوء تصرّفاتهم  سواء كانوا في الماضي أو في  الحاضر كالكثير من الجماعات الأخرى الّتي تتظاهر بالإسلام والله أعلم بنواياها.

    والحقّ يقال: أنّ هذه الأصناف كلّها تجد منها القليل من المهتدين وتجد منها الضّالين عن أعمال الخير ، المنغمسين في أعمال الشرّ. وهذا ما أتعب مجتمعنا الإسلامي اليوم من النّاحية الدّينية خاصّة.

 

    وأنا أقول للجميع: لا داعي إلى الدّواعي الباطلة والإمامة والرّئاسة والزّعامة الكاذبة ، والمشاكل والخلافات التّافهة والنّزاعات ، والتّباغض والتّحاسد الهالكة لصفُوف الأمّة فصيّرتْها أشتاتا متفرّقة ممّا سهّل أمر احتلالها وغزوها ثقافيّا واقتصاديّا ودينيّا وحتّى عسكريّا ، سواء شَعُرنا بذلك الآن عندما لم نجد بُدًّا من الخروج من الورطة أم لم نشعر فيزداد الوضع علينا تأزّما ولا حلّ لنا إلاّ ما رحم ربّي..

 

    واعلموا بارك الله فيكم قوله تعالى: ﴿اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ 124 الأنعام. وأيضا: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ 13 الحجرات.

     وكونوا عباد الله إخوانا بقطع النّظر أكـان الإمام الخليفة من هؤلاء أو من أولئك. فالعبرة بالسّلوك القويم والتّواضع والتّعاون على البرّ والتّقوى بالطّريقة المشروعة كتابا وسُنّة. وإن حدثت بينكم خلافات فرعيّة فلا تجعلوها سببًا للعداوة والتّفرقة والتّحاسد والتّباغض. وراجعوا قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ 10 الحجرات. وقال أيضا: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ¤ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ 118-119 هود. وكلمة: "إلاّ من رحم ربّك" تشير إلى مَن هم لا يختلفون عن الحقّ.

    وكونوا في المستوى المطلوب سواء تمكّنتم من معرفة الإمام أو قلّدتم ما بين أيديكم من أمور الإمامة السّابقة من قريب أو من بعيد شريطة أن يكون التّقليد شرعيّا. وإذا عُرف الإمام الحيّ فالأفضل الإيمان به وبولايته والاقتداء به ونصره وتوقيره وعدم مخالفته وعدم إيذائه. وهذا كلّه سبب للانتفاع بكرامته وبركته وسرّه وشفاعته.

    وأقول لمن يحارب الحقّ: "دعْ عنك ذلك"... فإنّه لا يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون. الّذين يعلمون الحقّ فليتّبعوه ، والّذين لا يعلمونه فليجتنبوه.

    مع العلم أنّنا لم نتجرّأ على عداوة أو محاربة أيّ كان من الطّوائف والمذاهب والحكّام . ولم نُلزمها أمْرنا الّذي نحن عليه إلاّ لمجرّد تنفيذ قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ 55 الذّاريات. والله يقول: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 53 المؤمنون.

 

   وجاء عن ثوبان رضي الله عنه أنّ النبيّ  صلّى الله عليه وسلّم قال: ( اعرضوا حديثي على كتاب الله فإن وافقه فهو منّي وأنا قلته ) رواه الطبراني في الكبير.

   ولقد شَجَّعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قول كلّ ما هو حقّ لم يقله هو ونسبناه إليه فلا حرج في ذلك. حيث أنّه  قال عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: ( إذا حدّثتم عنّي حديثا يوافق الحقّ فأنا قلته ) رواه أبو حامد البزّار في سننه.

     فالعاقل يأخذ الحِكمة من الأحاديث القويّة الإسناد أو الضّعيفة. والقوّة والضّعف يرجعان إلى الإسناد لا لمفعول الحديث نفسه ، نعم... فالكثير من الأحاديث الضّعيفة السّند قارنّاها بحقيقة الكتاب والسنّة فوجدناها أصحّ بكثير من غيرها.

    كذلك قد تكون الأحاديث للعامّة كثيرة الأسانيد ، وقد تكون للخاصّة أسانيد أقلّ ، وقد تكون لخاصّة الخاصّة أسانيدها قليلة جدّا وقيمتها عظيمة جدّا وهي تُرى بين النّاس أنّها ضعيفة.

    واختلاف النّظر للأشياء طبيعي بين النّاس ، فهذا يقرأ بعين البصر لا يدرك إلاّ الحسيّات وذاك يقرأ بعين البصيرة يدرك الحسيّات والمعنويّات. وشتّان بين من ينظر بنور ربّه ومن ينظر بنفسه لأنّ النّفس ظلمانيّة لا نور لها إلاّ مـا رحم ربّي.

   كما أُوصي بعدم التقيُّد بمقاييس معيّنة تدعو إلى الحدّ أو التّنقيص من العبادات والعقائد بأنواعها إلاّ ما كان محرّما أو كان لغير الله.

5- تدبّر القرآن وتأويله : الرّجاء عدم اختلاف النّفوس من أجل اختلاف معاني الألفاظ والمفاهيم والتّآويل والأعمال والمجاهدات. فهذه رواية ورش... وهذه رواية حفص... وهذه رواية قالون... وهذه رواية... كلّها والحمد لله صحيحة ومعتمدة فلماذا الطّعن فيها ؟ فاقرؤوا ما تيسّر منه.

   فالقرآن الكريم كلّه لنا: ناسخا ومنسوخا فلا نُتعب أنفسنا في التّمييز بينهما إن لم نكن من أهل الميدان. فمارسوا القرآن لتنالوا من كرمه ، واعملوا به ولا تُبالوا ما لم تخرجوا عن طاعة أو تدخلوا في معصية.

 

   ولا بأس لمن لهم مستوى طيّب أن يتدبّروه ويأوّلوه مع ملازمة الحذر الكامل من الوقوع في الخطأ ، ويستحسن المقارنة إن حصل لأحد تأويل أن يعرضه على أولي الأمر الأرفع منه مستوى في العلم كالنّحو والصّرف واللغة عامّة  ليقع تركيز الاستنباط على قواعده الصّحيحة وإن اختلفت التّأويلات. مع العلم أنّ التّأويلات ترتكز أساسا على التّقوى إلى جانب العلم ، مصداق قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ 282 البقرة. فمَن لم يكن تقيّا فلا حاجة لتأويله لأنّ قلبه مُسودّ بالرّان ولا نور فيه. فمِن أين له النّـور الّذي يُؤوِّل به ؟ وإن كـان له تأويل فهو ظلمانيٌّ ولا خير فيه. وجاء القرآن الكريم بالحثّ على تدبّره:

- ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ 29 ص.

- ﴿وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ 15 القمر.

- ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ 7 آل عمران.

   ونرى أنّ التدبُّر والتّأويل في آية أو كلمة قد يكون أنواعا من المفاهيم كلها مستساغة ، وقد يكون البعض منها مستساغا عند بعض أناس وغير مستساغ عند آخرين . فالرّجاء التزام النّصيحة -على كلّ حال- مع الأدب.

6- اللّباس المحترم: وهو لباس التّقوى بمقتضى ما تتطلّبه الشّريعة من لياقة وستر ، رجالا ونساء على حدّ السّواء مصداق ما جاء بالذّكر الحكيم: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ¤ يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ¤ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ¤ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ¤ فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ 26-30 الأعراف.

   فلنعلم أيّها الإخوان ، أيّتها الأخوات.. أنّ الله تعالى أمرنا بستر البدن بما يليق وخاصّة العورة ، وجاءت السُنّة فوضّحت الأمر وضوحا جليّا لا التباس فيه لأنّ هذه المسألة عظيمة وخطيرة جدّا عند الله تعالى وعند رسوله ، فنَزْع اللّباس والتّعرّي من أشدّ ما يُغضب الله تعالى ، والنّتيجة واضحة وخطيرة كما ذكرنا وكما جاء بالآيات الكريمة.

    لقد نزع أبوانا آدم وحوّاء لباس التّقوى بسبب وسوسة الشّيطان فذاقا من الشّجرة الّتي نَهاهما الله عنها فظهرت عوراتُهما. ونتيجة لهذه المعصية أخرجهما الله تعالى من الجنّة الّتي خُلقا فيها وأهبطهما إلى الأرض الّتي نحن عليها قائلا: ﴿اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ 24 الأعراف. فالعداوة تكون بين بني آدم والشّيطان أو بين بني آدم مع بعضهم بعضًا -كما ترَون اليوم-. ونلاحظ أنّ المعصية أخرجت مَن كان في الجنّة. فما بالك بمن عصى خارج الجنّة؟

 

   نعم ، فنتيجة نزع الثّياب والتّعرّي اللّعن ، يعني الطّرد من رحمة الله عزّ وجلّ. وإنّ ما نراه اليوم من كثير من المتطرّفين عن الدّين في هذا الشّأن أو في غيره يؤدّي إلى أسوأ مآلٍ وربّما إلى المسخ قردة وخنازير سواء كان ذلك المسخ ماديّا أو معنويّا والنّاس في متاهاتِهم لا يشعرون ، وفي ضلالاتِهم مغمورون .

   عن أبي أمامة رضي الله عنه أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( ليَبيتَنَّ أقوام من أمّتي على أكل ولهو ولعب... ثمّ ليصبِحُنّ قردة وخنازير ) رواه الطبراني.

وعن عبد الرّحمـٰن بن عوف رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( ليخرجنّ من أمّتي من قبورهم في صورة القردة والخنازير بمُداهنتهم في المعاصي وكفّهم عن النّهي وهُم يستطيعون) أبو نعيم.

   وإنّي أنبّه وأقول: ما لكم أيّها الخاطئون تتمرّدون على الله جهرا ثمّ تسخرون ! فبأيّ شريعة تتعاملون ؟ وأيّ ربّ تعبدون ؟ أم ماذا...؟

7- إحقاقا للحقّ ، على قدر ما لاحظنا من إخلال على المتمسّكين بالمذهب الوهّابي المتمثّل في عدم تمكين شجرة المحبّة المحمّديّة من قلوب المؤمنين كما ينبغي بزعمهم خشية الإشراك ، حتّى قلّت بذلك ثمارها وضعفت ، ومن بعض القلوب قد ماتت لعدم وجود ما يُحييها من نفحات في أوساطها أو في محيطاتها. علينا أن نعطيهم ما يستحقّون ، فإنّ لهم الحقّ الأكمل في النّهي عن العديد من التّصرّفات غير المشروعة للمتمسّكين بمذاهب أخرى أو طُرقيّة جاهلة ممّا نرى من انحراف وتطرّف عن الدّين يُشكّله الزّائرون لضرائح الأولياء ومقامات المستدرجين الزّنادقة دُعاة الضّلال.

 

   فيبدو أنّ الكثير من الزّيارات المشروعة تحوّلت إلى تحديّات ضدّ الدّين وإلى انحلال وتفسّخ أخلاقي . فهي لا تشتمل على أيّ نوع من أنواع الطّاعة الصّحيحة عقيدة وعملا ، كالاستغفار والتّرحّم والتّصدّق والتّوسّل والصّلاة والذّكر والاقتداء والاعتذار.. ونحو ذلك.

 

     وأصبحت أغلب الزّيارات تُشكّل تَهتّكا لمحارم الله تعالى أو تمرّدا ومحاربة لدين الله الحنيف للقضاء عليه والتّخلّي عنه. وكثير ممّن ينتصبون لهذه المواقف لتأييدها ويُرغّبون فيها ويشجّعون عليها ممّن يبدو أنّهم يدْعون إلى الله بشريعته وما هم في ذلك من شيء ، حيث لا صِدق لهم ، إلاّ استغلالهم النّاس استغلالا ماديّا ومعنويّا في مثل هذه الأحوال ، لأنّهم وجدوهم كما قال الإمام عليّ كرّم الله وجهه:" أُناسًا همجًا رعاعًا أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح... ".

 

     وبناء على ما ذُكر فقد يقع ما لا يحمد عقباه بتعمّد أو بجهل من تطاول على الله وارتكاب ما يشتهون مِن معاصٍ أثنـاء هذه الزّيارات وبهذه المزارات . ولا مظهر يُفيد الحقيقة إلاّ القليل منهم النّادر. هذا ما يتسبّب في قساوة الظّروف على المسلمين نتيجة الأزمات الاقتصاديّة الفلاحيّة والصحيّة وغير ذلك... وهذا وضع تعيشونه.

 

   وليس الأمر بالغ هذا الحدّ فقط ، بل لازال النّاس يسمعون ويَروْن ويُدركون من الشّدائد بسبب غضب الله وسخطه إذا لم يتراجعوا عن غيّهم ويرجعوا إلى الله تعالى بالتّوبة النّصوح ويقوموا بالطّاعات بمقتضى ما جاء بالشّرع العزيز كلٌّ حسب استطاعته ، كبيرهم وصغيرهم ، ذَكَرهم وأُنثاهم ، رئيسهم ومرؤوسهم ، وأن تتظافر جهود القيّمين من وُلاّة الأمور والأئمّة العلماء والوزراء والحكّام وأفراد الأمّة إلى إرجاع المياه إلى مجاريها الحقيقيّة مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ¤ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ 21-22 السّجدة.

   وإنّ الإصلاح الشّامل الّذي نعنيه لا يكون إلاّ بإرجاع المياه إلى مجاريها وهو الائتمار بالمعروف والعمل به ، والتّناهي عن المنكر واجتنابه ، ولا يكون الائتمار موجودا والعمل به مفقودا ، أو التّناهي مفقودا والمنكر موجودا ! أو الائتمار منكورا والمنكر مشكورا !  

   وإنّ إصلاح الأحوال هو المصالحة بين أفراد المجتمع فيما بينهم من جهة ، وإصلاح الشّؤون الدّينيّة لإرضاء الرّب عزّ وجلّ من جهة أخرى.

   فالإصلاح إذًا يتوقّف على كلّ أفراد الأمّة وأخصّها: السّلاطين والعلماء ، فلو أنّ السّلاطين والعلماء اتّفقوا على الصّلاح والخير وحملوا الأمّة على ذلك بما لديهم من وسائل إرشاديّة أو ردعيّة لصلحت الأوطان ونزلت الأمطار النّافعة والرّحمة والبركة ، ورُفع البلاء وعظُم الرّخاء عكس ما النّاس عليه اليوم من أخلاق معدومة وأعمال مخرومة وحياة مشئومة. مع أنّ السّواد الأعظم منهم لا يدرك ولا يشعر بذلك.

قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ 117 هود.

    فلنعلم يا إخواني أنّ ما يصيب النّاس في الدّنيا من بلاء وفتن ونقمة وعذاب وهلاك في الشّؤون المعيشية والشّؤون الصّحيّة وغيرها يعتبر عند الله بسيطا بالمقارنة بعذاب الآخرة ، والنّاس هم سببٌ في ذلك ، مصداق التّنْزيل العزيز:

   - ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ 30 الشّورى.

  - ﴿قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ¤ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ¤ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ¤ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ¤ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ¤ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ ¤ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ 17-23 عبس.     

نعم ، إنّ الله عزّ وجلّ يلعن الإنسان فيقول: كلاّ ! لماّ يقض هذا الإنسان ما أمره ! أي: - لم يقض - لم يقم بما أمره به مولاه جلّ وعلا.

   فبأيّ شيء أمَره إذًا ؟ الجواب من الآية: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ 5 البيّنة. 

   فإنّ سبب إهمال العبادة لله تعالى من أُناس أو عدم وجود الإخلاص فيها من آخرين ، نتج عنه عذاب الأمّة وهلاكها والله تعالى يقول: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ 147 النّساء. فأهل الشّكر والثّناء لا يعذّبُهم الله ، أمّا غيرهم ممّن بطِرت معيشتهم وجفَوْا الطّاعة ولم يشكروا الله تعالى على نِعَمه إليهم وفضله عليهم ، نصّ عليهم بقوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ 112 النّحل.

   "بما كانوا يصنعون" من أقوال وأفعال وأحوال مُنكرة وسيّئة للغاية كما نرى اليوم أنّ المؤمن يزني ، يكذب ، يقتل ، يغشّ ، يسرق ، يسطو ، يخمر ، يرشي ، يربُو ، يقْمر ، يلهو… وكلّ شيء يتعاطاه بلا حدود ولا وازع ينهاه إلاّ ما كـان فيه مضرّة لغيره فيعارضه لمصلحته.

    وليست هذه كلّها تُعذر بسبب الصُّدفة أو الجهل كما جاء في الحديث: عن أنس رضي الله عنه عن النّبيّ  صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ( كلّ ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون ) مسند أحمد.

   فأين التّوبة ؟ لا خبر اليوم عنها ، إنّهم مردوا على ذلك ولا توبة منهم تُرجى بل الله أعلم القائل في محكم التّنْزيل: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 41 الرّوم.

   فبعض العذاب الّذي يُذيقه الله للنّاس لسببين:

1- عذاب المؤمنين يتعلّق بأمرين:

   لعلّهم يرجعون إلى الله بالتّوبة  النّصوح.

   ليكفّر لهم به عن سيّئاتِهم ويُخفّف بذلك عنهم يوم القيامة.

 2- أمّا عذاب الكافرين فيتعلّق بأمر واحد هو الانتقام منهم في الدّنيا ، وهم في الآخرة أشدّ خزيا وعذابا إذا لم يرجعوا عن كفرهم.

   ومن هؤلاء النّاس جميعا مَن: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ 206 البقرة. وأصبح الكثير أمثال هذا النّوع منسلخين عن هوية الإسلام كأنّ لا شريعة لهم ولا دستور بل كأنّ الله لم يكن !.

    أستغفر الله لي ولهم ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

    وفي خاتمة هذا الباب أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ كما أراد وأمر عملا بالكتاب الكريم والسُنّة الشّريفة ، وأن نجتهد جميعا لجمع الشّمل وإصلاح ذات البين ، وأن نعمل على تركيز المـحبّة والمودّة وإفشاء السّلام بيننا لنكون إخوانا حقًّا في الدّنيا والآخرة ، ونسأل الله التّوفيق.