مسيرة الدليل >> النداءات الربانية >> الصلّاح والإصلاح

الصلّاح والإصلاح

    الصّلاح: نقيض الفساد ، فالإصلاح يُنتِج الصّلاح ، وهو العنصر الأساسي الّذي تنمُو به أحوال المجتمعات. وكلّما صلحت الأفراد والمجتمعات فيما بينها وبين غيرها في نطاق الشّرعيّة الربّانيّة إلاّ وظهرت نتائج تُذكر فتُشكر برضـاء ربّهم والتّوافق بينهم.

    وكلّما رأى الإنسان أنّه لابدّ له من الإصلاح خارج إطار الشّرعيّة الربّانيّة إلاّ ووصل به الأمر في نهاية المطاف إلى ما لا يُحمد عُقباه. وأدّى ذلك إلى خلل في النّظام الاجتماعي ووُقوع مشاكل مختلفة ولو بعد حين أو في يوم الدّين.

    وقد رأينا مثلاً النّظام الشُّيوعي في الاتّحاد السّوفياتي كم دام ؟ وكم امتدّ ؟ وكم تلقّتهُ الأفكار ؟ وكم مدحهُ المادحون ؟ وكم درسهُ الدّارسُون ؟ وكم تعلّمه المتعلّمون ؟ وكم قلّدهُ المقلّدون ؟ وكم عمل به العاملون ؟... وأخيرًا انحلّ ولم يعُد معمُولاً به. لماذا ؟ لأنّ الله سبحانه وتعالى لماّ خلق النّاس - وكان في سابق عِلمه أنّه سيحصل فيهم ومنهم اختلافات ومشاكل ، وأنّهم لا يتّفقُون أبدًا على مبدإٍ واحد - سطّر لهم شرعًا ليلتزموا به:

- ﴿كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً 58 الإسراء. ليتّبعُوهُ فيقع بذلك التّناسق.

- ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً 48 المائدة.

    لأنّه عزّ وجلّ أدرى بما يُصلحهم وبما يُفسدهم ، وبما يجمعهم وبما يُفرّقهم ، وبما يُبعدهم عن الحقّ وبما يُقرّبهم إليه. لكن مع الأسف ، فقد عَمد جُلّ بني آدم إلى اتّخاذ سبيل غير سبيل الله ، وإعداد تقرير مصيرهم في الحياة الدّنيا بأنفسهم ، غير مُعتمَدين على تدبير الموْلى عزّ وجلّ الّذي بيده ملكوت كلّ شيء. لذلك وقع الخِلاف والتّخاصم بينهم. أمّا مصيرهم في الآخرة فمنهم من أهملهُ ولم يضع له حسابًا ، ومنهم من جعل له حِصّةً ناقصة لِمُجرّد تقليد ، ومنهم من عبد الله حقّ العبادة ، ومنهم من اختار وغيّر وبدّل ، والله يقول: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ68 القصص. لماذا ؟ لأنّ الخِيار المفروض والموَفّق والنّاجح والعادل هُو خِيار الله تعالى القائل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ 10 الحجرات.

  عن قدامة بن عبد الله بن عمّار رضي الله عنه ، رجل له صحبة قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مَن أصلح فيما بينه وبين الله ، أصلح الله فيما بينه وبين النّاس ، ومَن أصلح جُوَّانِيهِ أصلح الله بَرَّانِيهِ ، ومَن أراد وجه الله أناله الله وجهه  ووُجوه النّاس ، ومَن أراد وُجوه الخلق ، منعهُ الله وجههُ ووُجوه الخلق) رواه الديلمي.

    لماذا لا تكون الأُخُوّة إلاّ للمؤمنين ؟ لأنّهم يكونون إخوة ما دامُوا على روابط متينة مُستمَدّة مِن أحكام الله ، وتتدعّم الأُخوّة ويحصل الوِئام والسّلام ، ويكونون على صعيد واحد ومبدإٍ واحد وربّ واحد وكتاب واحد وحُكم واحد ، لا اختلاف في الأمر بينهم ، وإن اختلفُوا فإنّهم يرجعُون إلى الحَكَم: الكتاب والسُنّة.

    وهُم جميعا مأمورون بالإصلاح بما ينفع ويُصلح بينهم ، سواء الإصلاح الذّاتي الخاصّ: كأن يكون المرء صالحًا في حاله وبَدنه وقوله وفِعله ، أو الإصلاح الممكن القيام به بين الأخوة الآخرين الّذين بينهم خِلاف لِيَفِيئُوا إلى أمر الله:

﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 35 الأعراف.

    ولعلّ مَن يقول أنّ هذا الأمر يتعلّق بأُمور الدِّين ، فأين الدّنيا الّتي نحن فيها؟ فنقول: إنّ الله عنده الدّنيا والدِّين سَواء. فمَن نجح في هذه نجَح في الأخرى إذا كان أمرهُ صلاحًا وفلاحًا. والعكس إذا كان فسادًا وطلاحًا وخِذلانًا وشِرْكًا ، نصّ الآية: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ 21 الشّورى. فلا نجاح لهؤلاء في الآخرة ولا فلاح لأنّهم اتّخذُوا شريعة جعلها لهم شُركاؤهم مِنَ غير دين الله ولم تكن مِنه في شيء وقد عمِلُوا بها وإنّ الله لا يسمح لهم بِها ولا يرتضيها. فما لهؤلاء النّاس يتّبعُونَها ويتركون شريعة الحقّ المبين ؟

وإنّني أقول: إنّ الآخرة نصيب لكلّ إنسان منها حصيلة موسم دُنياه ، ونتيجة غايـة ما سعـاه.