مسيرة الدليل >> الدين والحضارة >> اللغة العربية وفوائدها

اللغة العربية وفوائدها

  إنّ اللّغة العربيّة هي لسان العرب الّذي يتخاطبون به. وقد شرّفها الله وكرّمها تكريما عظيما لماّ أنزل القرآن عربيا. ومع الأسف يبدو في هذا العصر لكثير مِن النّـاس ، منهم بعض العرب أنّ اللّغة العربيّة لا شأن لها. ولو كان لها ذلك لكانت مِن اللّغات الحيّة. والواقع أنّه العكس ، فعندما نطّلع على مجدِها نجدها أحيا اللّغات في جميع الأزمنة والأمكنة. غير أنّ سبب ضَعفها يرجع إلى مُيُول المغرورين مِن أهلها للحضارات غير الإسلاميّة والهروب مِنْ تطبيق تعاليم الحنفيّة السّمحة. ممّا أدّى بِهم إلى الرّغبة والتّهافت على تعلُّم لغاتٍ أخرى تتماشى بزعْمهم والحضارة العصريّة ، وأطلَقوا عليها اسم: اللّغات الحيّة.

 

    لهذا اعْتُبِرت اللّغة العربيّة عندهم كاسدة ، والحال أنّهم هم الكاسدون ، ومعاذ اللهِ أنْ تُوصَف لُغتنا العربيّة بِهذا الوصف المشين ، بل هي اللّغة العربيّة الحيّة حقّا ، وهي مِنْ أكبر اللّغات وأهمّها في العالَم ، وصاحبةُ الشّأن العظيم لِنُزول القرآن الكريم بِها ، وتأكّدتْ بما جاء في محْكم التّنْزيل العزيز:

- ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 2 يوسف.

-  ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً 37 الرّعد.

-  ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ¤ قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 27-28 الزّمر.

- ﴿حم ¤ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ¤ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ¤ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ 1-4 الزّخرف.

    فهذه دلائل ربّانيّة على أنّ اللّغة العربيّة هي اللّغة الحيّة حقّا وتُحْيِ مَنْ مارسها بحقّ  ، وقد أحياها الحيّ القيّوم بالقرآن الكريم تشريفًا لها وتكريمًا. وعلينا أنْ نسْتخلص مِنْ قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 3 الزّخرف:

1) أنّ القرآن في حدّ ذاته مُعجزة عظيمة وأنّ النبّيّ سيّدنا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كذلك آية مِنْ أكبر الآيات ، ومُعجزة مِنْ أعظم المعجزات ، لِنُزول القرآن عليه وتلَقِّيه   إليه ، والحال أنّه أمّيّ.        

2) "لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" بحقّ قيمة اللّغة العربيّة وقيمة أهلها. وأَبْلَغُ مِنْ ذلك قيمة النّبيّ الأمّيّ العربيّ سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وقيمة إرادةِ اللهِ تعالى الفعّال لِمَا يريد بإنزال القرآن عرَبيًّا تحدِّيًا لإرادة النّاس الّذين يبغضون العرب ويَروْن أنفسهم أنّهم أفضل منهم مكانة وأقْدم عراقةً في الدّين كأهل التّوراة وأهل الإنجيل. وليعلم هؤلاء أنّ رسالات الإسلام بادرتهم قَبْل غيرهم فلم يُحافظوا عليها ، ولم يرعوها حقّ رعايتها ، واختلفوا فيما بينهم وبدّلوا وغيّروا ولم يبق للدّين عندهم إلاّ اسمًا ، ولا للكتاب إلاّ رسمًا ، وتفرّقوا وقتلوا الأنبياء وشتّتوا صفوف المسلمين في أزْمنتهم. ولا زالوا يحاولون إلى اليوم تشتيت الصّفوف للتّخلّي عن الإسلام والقضاء عليه. وادّعوا بأنّه ليس دينهم وأنّه عـامل تخلّف. هذا كلّه بسبب الغرور والحسد والتّورّط في الفساد واتّبـاع الشّهوات المحظورة أعاذنا اللهُ مِنْ ذلك.

3) تشريفٌ وتكريمٌ للرّسول النّبيّ الأمّيّ العربيّ سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الآمِر بقوله: ( أحِبّوا العرب لثلاث: لأنّي عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنّة عربي ) مستدرك الحاكم عن بن عبّاس رضي الله عنه.

4) لتوالي أجيال الأجناس الأعجميّة الّتي أسلَمت بسبب إقبالها على تعلُّم اللّغة العربيّة لِما لَهَا مِنْ أهمّيةٍ لأنّ فيها أمْر دينهم ودنياهم ومرجع مآلهم.

5) لتتمسّك الأمّة العربيّة بلُغتها لِمَا لَهَا مِنْ شأنٍ في الحُكم الّذي جاء به القرآن والّذي جاء بلُغتها كما جاء بما ذكرنا مِنْ آياتٍ شاملةٍ وواسعةٍ للأفكار والتّفكّر والاعتبار ولذلك قال الله تعالى:

- ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ 38 الأنعام.

- ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ 43 العنكبوت.

 

    نعم ، إنّ حقيقةَ أمر اللهِ وإرادته لا يعقلها إلاّ العالِمون بأنّه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ، وأنّه يختصّ برحمته مَنْ يشاء ، وأنّه ذو الفضل العظيم.

    وإنّ تكريم اللّغة العربيّة بالقرآن لأنّه نزل بلسانِها يجعل لها ميزة كبيرة حيث أنّها حَوَتْ ألفاظه وبَيّنَتْ معانيه لتوضيح مقاصده ، ولا لغةَ تقدِر على ذلك. وإنّ ما حصل مِنْ ترجمةٍ للقرآن بلُغاتٍ غير العربيّة لا تُؤدّي معانيها كما ينبغي ، ولا تكون الألفاظ متساوية ، وليس ما يُفهَم مِن قراءته بتلك اللّغات إلاّ الشّيء القليل السّطحي ، مع العلْم أنّ القرآن له ظاهِرٌ وباطِنٌ.

    إذًا فاللّغة العربيّة هي اللّغة الحيّـةُ قد نراهـا فَرضًا على المسلمين. ولابُدّ مِن معرفتِها لِيَتسنىّ لهم القيام بواجباتِهم كما ينبغي وخاصّةً الصّلاة الّتي لا تكُون إلاّ بقراءة القرآن العربي.

 

     ولو أنّ الأجيال الأخرى غير المسلمين تعلّموا اللّغة العربيّة لَتَناولُوا فَهم القرآن الكريم بسهولةٍ ولَرغِبوا في اعتناق دين الإسلام ولعمِلوا به بكلّ طواعية ، ولارتاحوا مِنَ القيود التّقليديّة الوهميّة النّفسيّة والنّزغات الشّيطانية الّتي كانت سببًا في هلاك جُلّ المجتمعات اليوم. أمّا مَنْ لم يتعلّموا لغتَه الّتي أُنزل بِها وهي العربيّة ، فيبقون بعيدين عنه لأنّه ليس الخبر كالمعاينة.

 

    ومع الأسف فإنّ الخبرَ أتاهم بغير الوصف الحقيقي مِن طرف أعداء الدّين الّذين شوّهوه لهم وزادوهم منه نُفورًا. أعاذنا اللهُ جميعًا مِن مكر الماكرين وسطْوَة الظّالمين وكيْدِ الشّياطين.