مسيرة الدليل >> الدين والحضارة >> توضيح للوسطية في الإسلام

توضيح للوسطية في الإسلام

·         لقد كنت كثيراً ما أسمع الدّعوة للعمل "بالوسطية في الإسلام والاعتدال" والترغيب فيها مِن عامّة المسلمين وخاصّة مِن علمائهم وحكّامهم. وإنّي لم أفهم بالضبط ما القصد منها ، غير أنّي أرى كأنّ الدّعوة تحمل للمسلمين رسالةً جديدة خَفِيَّة المقاصِد هدفها مسايرة الحضارة الغربية الّتي يروْنها مُتفتّحة على الحياة. والحال أنّها تدكّهم بقوّاتها العسكرية بدعوى حمايتهم. وتدكّ قلوبهم بنظرياتها المتطرّفة عن الدّين بدعوى تمكينهم مِن التّقدّم. فنَزعتْ بذلك منهم المروءة مِنْ شهامة وشجاعة وتضحية وجهادٍ وغيرة على أوطانهم وعلى دين الله ومحارمِه لأنّها رأتْ أنّ هذا خطر عظيم عليها وأقَلُّهُ حِرمانها مِن استغلال ثرواتهم الّتي هي الآن بيدها.

 إنّ كلمةَ "الوسَطية" تبدو أنّها مصطلح جديد لم يكن سابقا مِن تراثنا وأُحْدِثَ كوسيلةٍ لتضْعِيف القوى الإيمانية مِن الطّموح:

- أوّلاً: للجهاد الأصغر لما فيه تحرير الأوطان مِن بقايا الاستعمار وخلْفياته الفاسدة وعُمَلائه الخوَنة.

- ثانيًا: للجهاد الأكبر لما فيه تطهير النفوس مِن عيوبها وسلامة القلوب مِنْ أمراضها.

 

·            إنّ حقيقةَ الوسَطية تعني الأفضلية والأمْثَلِية مِنْ كلّ شيء أو الاسْتِواء والاستقامة على حقيقة الأمْرِ. ولكم أمثِلة وأدّلة قرآنية على ذلك: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ112 هود. فبماذا أُمِرَ هؤلاء التّوابون ؟ الجواب في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ 5 البيّنة. ونتساءل هل أنّ "المخلصين" هنا دليل الوسَط ما بين الرّديء والجيّد أو هو غاية الكمال؟ كما جاء بالآيات التّالية: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ 110 آل عمران. ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 13 الأحقاف. فمَنْ هم هؤلاء الّذين لا يحزنهم الفزع الأكبر كما جاء بآية أخرى ؟ هم أولياء اللهِ السّابقون المقرّبون وليسوا هم مِنْ أوسَط النّاس أوْ أسْفَلِهم منْزلة بل هم مِنْ أعْلاهم منْزلةً وأرْفَعِهم قدْراً.

     وجاء في السُنّة الشريفة: ( خير الأمور أوساطها ) رواه البيهقي عن عمر بن الحارث.

ليس ذلك يعني أنّ الوسَطية هنا هي ظرفية بين الرّديء والْجَيِّد بل يعني أفضلها وأحسنها ،قد تكون اسمًا أو صفةً. ويمكن أن نستعين بالمقارنة ، على زيادةِ فهم الوسطية بالقرآن الكريم الّتي تعني الخيرية والأفضلية:

-﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً 143 البقرة. أيْ خيارا عدولا مِنْ أحْسَن الأمَم وأفضلِها.

-﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ 28 القلم. أيْ أنّ أحسنهم طريقة عرَضَ عليهم بأن يُسبّحوا الله تعالى خيرا لهم.

-﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ 89 المائدة. فالإطعام والاكساء يكون مِنَ الحسن الّذي ترضوْنه لا مِنَ الرّديء الّذي ترفضونه.  

 

·         إنّ مفهوم الوسَطية هو الإحسان في كلّ شيء والقيام به كما أمَر اللهُ تعالى دون تأثّر بأيّ عامل مِن العوامل الدّاخلية أو الخارجية سواء كانت عبادةً أو معاملةً أو عادةً أو جهادًا أو سِلْمًا أو محبّةً أو كراهيةً ونحو ذلك كثير.