مسيرة الدليل >> رسولنا الكريم >> تنبيه من الغواية وبيان للهداية

تنبيه من الغواية وبيان للهداية

لقد نرى أنّ الكثير من المسلمين لا يُعيرون اهتمامًا كبيرا لذات الرّسول ومعناه وتعظيمه وتقديره قلبًا وقالبًا حقّ قدره ومقداره العظيم الّذي أنزله الله به ! وكأنّهم يُحاولون تغطية ذلك هَدْمًا لشخصيّته صلّى الله عليه وسلّم من قُلُوب أتباعه  ومُحبّيه ، حتىّ لا يعلُقَ من هذه الأوصاف الحميدة بأذهان النّاس ، خاصّة الغِرَر منهم الّذين ليس لهم معرفة ولا اطّلاع على أمور دينهم ، أو ليس لهم رغبة كاملة فيميلون بسرعة إلى عدم الانضباط لأنّ أنفسهم أصبحت تميل بطبيعتها إلى التّسيّب والانحلال ، وتروغ من الواجب إلى الإهمال ، ومن الحسن إلى السّيّئ ، ومن الحقّ إلى الباطل ، حتى استولت عليها الدّنيا وتمكّنت منها وفرضت حُبّها فيها ، فلم تترك مجالا لحبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لزعمهم أنّ مُعطيات الحياة تغيّـرت ! ونحن نقول: أيّ حياة بلا رسالة أو بلا رسول ؟ أو أيّ حياة تخُرِج صاحبها عن دائرة فطرة الله تعالى الّتي فطرَ الناس عليها وهي الإسلام ؟

 

   ونلاحظ أنّ بعض أقوال المسلمين وبالأحرى بعض أقوال العلماء أنفسهم ترمي إلى ضرب شخصيّتة صلّى الله عليه وسلّم للحدّ والتّنقيص والتّحقير من قيمته العظيمة وحرمته الكريمة وفضائله الحميدة ومناقبه المجيدة ومنافعه المفيدة وخيراته العديدة في الدّنيا والآخرة. وعمِلوا سابقا ويعملون حاليا على حصر أمره صلّى الله عليه وسلّم في كونه مُجرّد نبيّ ورسول أنزل الله عليه الوحي وبلّغ الرّسالة وأدّى الأمانة ونصح العباد وانتهت مهمّته إلى حدّ هنا !! وغفلوا عن قوله تعالى: "وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين". فبماذا نُعبّر عن هذه القيمة العظيمة الّتي لم ينلْها أحد مِن خلق الله تعالى ؟ وماذا نفهم مِن حقيقة معناها ؟ وما المطلوب منّا لنوال نصيبنا منها ؟ لأنّ عديم الحظّ منها مَحروم مِن رضا ربّ العالمين ومآله يوم المعاد جهنّم وبئس المهاد.

 

    وكذلك فقد اعتقدوا بأنّ ميلاده كميلاد النّاس وموته صلّى الله عليه وسلّم كموت غيره منهم ! وأنّه لم يعد ينفع بعد ذلك ! والحقيقة أنّ وجود الرّسول لا يرتبط بموتٍ ولا بحياةٍ مادام هو نبيّ وآدم بين الماء والطّين ، ونبيّ ولا آدم ولا طين ، ومادام رحمةً للعالمين فكيف يبدو لنا أنّه مات الموتة المعروفة بالموتة الجسدية ؟ ولا أحد ينكر ذلك ، ولكن معنويًا فسِرُّه صلّى الله عليه وسلّم موجود في الوجود ، والدّليل أنّ الله سبحانه وتعالى يأمره بالاستغفار لذنبه ولذنب المؤمنين كما جاء بقوله: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [19 محمّد]. فإن حكمْنا عليه بالموت كموت غيره فمَن يستغفر للمؤمنين بعده ؟! وكان كذلك في اعتقادهم أنّه لم يكن في أمّته مِن بعده مَن يخلُفه أو مَن يكون له الشّأن والحجّة والبرهان ! أو مَن يستمدُّ السِّرَّ والنُّور مِن مشكاة نُبُوّته صلّى الله عليه وسلّم إلى قيام السّاعة ؟ وبذلك ضيّعوا الأمانةَ العظمى والأمينَ الحقيقيّ لها في كلّ زمان ! وإنْ علِموا مِن ذلك شيئا ازْدَروه بكلّ احتقار!

    ولنعْلَم كذلك عِلم اليقين أنّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا انتقل إلى الرّفيق الأعلى لم تغب إلاّ صفة ذاته البشريّة ، أمّا ذواته الأخرى المعنوية وصفاته الخصوصيّة الّتي أخصّه الله بها فإنّها باقيةٌ ببقاء الزّمان ، وأنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يَرفع معه شيئًا ممّا جاءنا به ، بل تركه كلّه لأمّته مِن بعده ، وأشار بذلك لمن تركه خاصّة عندهم بقوله الشّريف: ( أمّا بعد: ألا أيّها النّاس ، فإنّما أنا بشر يُوشك أن يأتيني رسول ربّي فأُجِيب ، وأنا تارك فيكم ثقليـن: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور ، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ، ومن أخْطأهُ ضلّ ، فخذُوا بكتاب الله تعالى واستمسكُوا به ، وأهل   بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ) رواه مسلم عن زيد بن الأرقم رضي الله عنه. أي استمسكوا بالكتاب وأهل بيتي. وقالت عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها: ( إذا ذُكر الصّالحون فَحَيَّهَلاَ -أيْ هلمّ- بعمر ) مسند أحمد ، ومعناه: عليك بعمر وادع عمر ، أي أنّه مِن أهل هذه الصّفة.   

                              

   فالحمد لله على وراثتنا لكتاب الله من بعده بالإضافة إلى سُنّته والاقتداء بأهل بيته الطّاهرين وأتباعه الغرّ المحجّلين الّذين هم دائمون بدوام رسالته إلى قيام السّاعة بإذن الله تعالى رغم أنف مَن يزعمون أن الكثير منها غير صحيح ، ورفضوا العمل بها ، ويُبعِدون عن ذلك غيرهم بدعوى أنّها بِدَع ، والحال أنّها لم ولن تكون مِن مُحدثات الأمور كما يُصرّح بذلك العلماء الّذين أُشيرَ إليهم !  وينهرون الناس لِيُبعدوهم عنها ! وقد جاء في الحديث عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: ( السُّنّة  سُنّتان: من  نبيّ ، ومن إمام عادل ) للدّيلمي في مسند الفردوس  ،  والله تعالى يقول في هذا الشّأن: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [32 التّوبة].

 

    إخواني ! نحن لا نقول فيكم ولا لكم إلاّ خيرًا ما دُمنا جميعًـا نؤمن   ونقول: "لا إلـٰه إلاّ الله محمّد رسول الله" صلّى الله عليه وسلّم ، ونُصلّي ونُزكّي ونصوم ونحجّ بقطع النّظر عن أمور أخرى أو خلافات يراها العاقل منّا شكليّة غير أنّها بكثرتها أو كثرة تردادها قد تُؤثّر على مُتّبعي المسيرة. لأنّ النّفع العظيم في اتّباع المسيرة لا في سرد السِّيرة ، وإنّ سرد السّيرة سهل وكلّ النّاس يقدرون على قراءتها على بعضهم بعض.

والحِكمة تقول: ليست العبرة بالعِلم لمجرّد الاطّلاع ، وإنّما العبرة بالوعْي  والإتّباع.

 

     أمّا اتّباع مسيرة آل البيت رضوان الله عنهم أجمعين كما هو مطلوب فهذا الّذي صعُب على النّاس بسبب اختلافهم وابتعادهم عن إمامهم أو نقول القدوة هادي زمانهم الّذي يقوم بتربية الأجيال على منهاج النّبوّة. ولم يبق منهم مُتّبِعا كما هو مطلوب إلاّ القوم أهل الله الّذين لا شكّ أنّهم هم الطّائفة النّاجية الملتزمون باتّباع المسيرة ولم يعتمدوا على مجرّد ذكر أو سرد السّيرة أو مجرّد الحديث عنها ومعرفتها وكفى بل عمِلوا بها فتوصّلوا إلى حقيقتها وانتفعوا بأسرارها.