مسيرة الدليل >> رسولنا الكريم >> مشروعية فضل الرسّول و أفضليته

مشروعية فضل الرسّول و أفضليته

 إنّ فضل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على العالمين وأفضليته عليهم لا تُحصى ولا تُعدّ ، نذكر بعض ما يؤكدها القرآن الكريم:

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 157 الأعراف.

    أنظروا بارك الله فيكم في الأفعال بالآية ، لمن هي منسوبة: يأمرهم ، ينهاهم ، يُحلّ لهم ، يحرّم عليهم ، يضع عنهم ، ثمّ انظروا مليّا في: "واتّبعوا النّور الذي أنزل معه" فهذا النّور الّذي أُنزل معه بقيَ وراثة لنا بعده سواء كان علمًا ظاهرًا أو عِلمًا خفيًّا أو حالاً ، فماذا يُحارب الجاهلون ؟ أيُريدون أن يُطفئوا نور الله بأفواههم ! كلاّ وألف كلاّ ! فإنّهم لا يُطفئون النّور إلاّ مِن قلوبهم ! ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم القائل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ 10 الفتح.

 

    والنيّة الطيّبة التي يجب أن نكون عليها. والمقارنة الصّحيحة الّتي نقارن بها: هي أنّها كما بايعناه كانت المبايعة لله ، كذلك إذا سألناه صلّى الله عليه وسلّم كان السّؤال مِن الله القائل: ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً59 الفرقان.

 

    فالرّحمـٰن هو الله جلّ جلاله ، وتقدير الآية: فاسأل خبيرا بالرّحمـٰن ، ومن هو هذا الخبير الّذي نسأل به الرّحمـٰن ؟ لعلّه الّذي ولّى الله أمْرَنا إليه ؟ بل دون شكّ هو النّبيّ حقًّا كما تشير الآية الكريمة: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ6 الأحزاب. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (بلّغوا عنّي ولـو آيـة) مسند أحمد. فعلينا أن نبلّغ عنه إلى من لم يفهم سيرته ومعناه ووقاره وعظمته وقدره وشرفه وعزّته وكرمه ! ولا داعي إلى محاربة حرمته وقداسته صلّى الله عليه وسلّم ، حيث عظّمه الله تعالى وأقسم به. ومِن عظَمةِ هذا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه هدى به إلى صراط مستقيم كما يؤْخذ مِن قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾52 الشّورى. فهو صلّى الله عليه وسلّم الهادي ، قد اشتُقّ اسمُه هذا من اسم الله تعالى: "الهادي"، فَمِن رَفع ذِكره صلّى الله عليه وسلّم أنّ من بين أسماء الله تعالى أسماؤه الّتي نسأله بِها في الدّعاء التّالي: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (اللّهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حُكمك ، عدل فيّ قضاؤك ، نسألك بكل اسم هو لك ، سمّيت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علّمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صـــدري ،  وجلاء حزني ، وذهاب همّي ، إلاّ أذهب حزنه وأبدل مكانه فرحا) رواه بن حبان.

 

    فهذا الدّعاء هو نفسه تشريع وحجّة للمتخالفين ففيه التّوسّل باسم الله فإذا قلنا مثلا الهادي أو النّور أو الرّؤوف أو الرّحيم فكلّها مِن أسماء الرّسول مشتقّة مِن أسماء الله تعالى ، وأنّ أسماء الله ليست كلّها تُعرف عند كلّ المؤمنين "كالتّأوّه والأنين" بل يُنكِرون عليها رغم مشروعيّة ذلك أوّلا بالقرآن: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ 75 هود.

وثانيا بالسنّة الشّريفة: أنّه رأى مريضا كان يئنّ في حضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فنهاه بعضهم عن الأنين وأمره بالصّبر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:( دعوه يئنّ فإنّ  الأنين اسم من أسماء الله تعالى يستريح به العليل) رواه الرّافعي عن عائشة رضي الله عنها.

 

    وكما قلنا... فأسماء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم هي من ضمن أسماء الله تعالى ، وهل أنّ أسماء الرّسول يمكن التّوسّل بِها ومُسمّاه لا يمكن ؟! فما هو الأفضل: أهو الاسم أو المسمّى؟ والله تعالى عظّم هذا النّبيّ سيّدنا محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم فاستجاب به لكلّ سائل بِالدّعاء المذكور أعلاه الذي اشتمل ضمنيا على أسمائه المشتقة مِن أسماء الله تعالى.

    فهو صلّى الله عليه وسلّم المبين ، وقد بيّن أنّ الأمّة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، غير أنّ الناجية منها واحدة فقط ، فمن هي يا ترُى ؟ فقد قال صلّى الله عليه وسلّم إنّها الّتي كانت على ما كنت عليه أنا وأصحابي. فالدّليل في ذلك أنّ أصحابه لهم نصيب من فضله ورحمته ، وهذا الشّأن يتواصل ويشمل أتباعه أيضا ، وقد نجد في الحديث المذكور آنفا في خصوص السّؤال بأسمـاء الله بقوله: "أو علّمته أحدًا من خلقك" فمَن هو هذا "الأحد" في هذا الوقت إن لم يكن قطب الزّمان ؟

 

    فالسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان إلى يوم الدّين مثل الّذين نتحدّث عنهم هم أوْلىَ عباد الله بِهذا التّخصيص من التّعليم الإلـٰهي ، وهؤلاء الأتباع بإحسان هم الّذين يعبدون الله العبـادة الخالصة الصّافية النّقيّة المنصوص عليها بحديث جبريل عليه السّلام: ( الإحسان: أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ) صحيح مسلم. ومن يراهُ غير المخصّصين لذلك ؟

 

     إنّ هؤلاء المخصّصين هم الّذين يتّبعون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقًّا ، خطوة بخطوة مباشرة ، وليست الكتب والأحاديث وحدها الّتي مكّنتهم ، بل الله الّذي علّمهم كما جاء بالحديث المذكور سابقا: "أو علّمته أحدا من خلقك" ونسأل فنقول لماذا يُعلّمه إلاّ لأحد ؟ ونجيب في نفس الوقت ونقول: لأنّ الخليفة الوارث للرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو واحد بعد واحد ولا يكون اثنين لحِكمة أرادها سبحانه وتعالى الّذي لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون !

 

    والغاية من تعليم الاسم لأحد من خلقه هو أن يَعرف بذلك المسمّى: الله جلّ جلاله، ثمّ يقوم هو بدوره تعليم ذلك لكلّ من أتاه راغبًا على منهاج النّبوّة ، وهكذا سنّة الله في خلقه فلا بُدّ مِن فرد قائم لله بحجّة ، وهذا القائم بإذن القيّوم جلّ جلاله ليس بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم  حاجز أو فاصل أو بُعد ، بل إنّه يَرَى بإذن الله أنّه متّصل به شفاها ، كما قال الله تعالى: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ 23 الذّاريات.  

    وإذا صلّى المسلمون وسلَّموا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يَـرُدّ عليهم بمثل ذلك وهو وليّ أمْرِهِم في كلّ شيء ، عكس ما يدّعيه المدّعون من أنّ هذا من البدع ! والله يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ 9 الزمر.

    نعم ! لا يستوي الّذين يعلمون من الله ، والّذين لا يعلمون منه ، أو الّذين يعلمون الكتاب والسُنّة ، والّذين لا يعلمون كتابًا ولا سُنّةً ، وقد جاء في محكم التّنْزيل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ 105 التوبة.

     نعم ، فالله تعالى بلا نزاع ولا جدال يرى أعمالنا ، وكذلك الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يرى والمؤمنون ، وقد يقول القائل: كيف أنّ الميّت يرى عمل الأحياء في الدّنيا ؟ نعم ! إنّ عمل الأحياء يُعرض على الأموات، والأحياء في الغيب مِن الأمّة هم الرّسول والمؤمنون. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلّى الله عليه وسلّم: (... فإنّ أعمالكـم تُعرض عليّ ، فما رأيت منها حسنا حمدتُ الله تعالـى ، وما رأيت منها سيّئا استغفرت الله تعالى لكم ) أخرجه البزار.

    عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: (ألا إنّه لم يبق من الدّنيا إلاّ مثل الذّباب تَمور في جوفها ، فالله الله في إخوانكم من أهل القبور ، فإنّ أعمالكم تُعرض عليهم) رواه الحاكم.                 

  وإنّ المؤمنين يستغفرون لبعضهم بعضًا وفي ما يلي النّصّ: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ 10 الحشر.  هذا سِرّ غامض لا يدري كُنْهَه إلاّ القليل ، فالمؤمنـون المذكرون أعلاه بالآية 105 من سورة التّوبة لم يقل الله فيهم: "هم الميّتون أو الأحياء".

 

     نعذركم أيّها الناس ! لقد اعتمدتم على قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ 30 الزمر. نعم! هكذا يبدو أمرهم في عالم الظّهور ، أمّا في عالم البطون فكلّهم أحياء غير أنّ الحياة رُبّما تختلف عمّا نفهمه نحن ونشعر به ، مصداق قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ 154 البقرة. أي لا تشعرون بكيفيّة حياتِهم في هذا العالم سواء الظّهور منه أو البطون فيه.

 

    ونعذركم كذلك إن قلتم: أولئك الّذين ماتوا استشهادًا في سبيل الله ! فنقول بارك الله فيكم ، فهِمتُم أنّ المستشهد في الجهاد الأصغر هو من الأحياء ، وما فهمتم أنّ المستشهد في الجهاد الأكبر أحْيَا من ذلك وأفضل وأقرب إلى الله بكثير. وإذا قلتم أنّهم ماتوا وانتهى أمرهم من الدّنيا ! فنقول: إنّ الصّالحين أحياء بعد الموت وكذلك غيرهم ، سواء في البرزخ أو في غيره ، المهمّ  ليس بكيفيّة الحياة في الظّاهر ، والصّالحون: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 170 آل عمران.  فما بالك بسيّدنا محمّد الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم  القائل: (حياتي خير لكم ، وموتي خير لكم) الحارث عن أنس رضي الله عنه. فلماذا يقول: "خير لكم" لو انتهت المنفعة منه لنا بعد موته ؟!

    عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( أكثروا الصّلاة عليّ يوم الجمعة ، فإنّه مشهود تشهده الملائكـة ، وإنْ أحـد يصلّــي علــيّ إلاّ عُرضت عليّ صلاته حتّى يفرغ منها. قال: قلت: وبعد الموت ؟- يعني بعد موت الرّسول - قال: وبعد الموت ، إنّ الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ، فنبيّ الله حيّ يُرزق ) سنن ابن ماجه.

     فكلمة "إنّ الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء": عليهم الصّلاة والسّلام ، دليل قاطع على أنّهم أحياء ، لأنّ العبرة ليست بالأجساد ، وإنّما العبرة بالأرواح. والأرواح لم يتكلّم عنها آدابًا مع الله لقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً85 الإسراء. وروى ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قرأ على المِنبر: ( وما قدرُوا الله حقّ قدره - الآية - ثمّ قال: يُمجّد الجبّار نفسه ، أنا الجبّار...أنا الجبّار... أنا المتكبّر المتعال... فرجف المِنبر حتّى قلنا ليخرّنّ عنه ) تحفة الإشراق.

-       ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ4 الشرح.

    فرَفْع الذِّكر: سواء كان رفع ذِكر اسمه صلّى الله عليه وسلّم أو رفع ذِكر مسمّاه:

- فرفـع ذكــر اسـمه: كـ: لا إلـٰه إلاّ الله محمّد رسول الله.

- ورفع ذكر مسمّاه:

      1-كعمليّة الإسراء والمعراج يقظة بذاته وصفاته إلى أن بلغ ما فوق العرش العظيم.

      2- وكعملية المبايعة بحيث أنّ الّذين يبايعون الرّسول إنّما يبايعون الله.

وتكون لها معانٍ أخر: "رفعنا لك": قيمتك وقدرك وشرفك ومكانتك فهو مُقترن بأمر الله مباشرة ، كما قال تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ 80 النساء. فلنتمعّن جميعا في فحوى هذه الآية العظيمة ، الّتي علِمْنا منها كذلك أنّ:

- من أحبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فقد أحبّ الله تعالى.

- ومن سأل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فقد سأل الله تعالى.

- ومَن بايع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فقد بايع الله تعالى.

- ومَن عصى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله تعالى. لأنّه على سبيل المثال لوْ أنّ أحدا نبذ أمر الرّسول جانبا واجتهد على أن يعمل في طاعة الله تعالى كلّ ما في وسعه مقتضى ما أنزل الله بالكتاب ما كان له ذلك لنقصانه في الدّين الّذي لا يتمّ إلاّ بطاعة الرّسول ، ولذلك بيّن الله أنّ: "مَن أطاع الرّسول فقد أطاع الله" الطّاعة الكاملة وهذا هو عين الصّراط المستقيم المطلوب...

- ومن أكرم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فقد أكرم الله تعالى. أما علمتم أنّ مَن أكرم العلماء فقد أكرم الله ورسوله ، فقارنوا الأمور بحقائقها مع العلم أنّكم لم تبلغوها إلاّ بالعقل الإنساني مع النّصّ الرّحمـٰني. ومِن المعلوم أنّ العقل السّليم في الجسم السّليم ، ولا يعتبر الجسم سليما إلاّ إذا سلِم القلب مِن الشّوائب والعلل وصدق الله العظيم القائل: ﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ¤ إِلاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ 88-89 الشعراء. والنّصّ الرّحمـٰني هو الأحكام الشّرعية. إذًا فالأمر واحد ، ومصدره واحد ، ومرجعه إلى الله تعالى سواء كان من الله أو مِن الرّسول الّذي هو الرّحمة لكلّ العوالم مِن الله العليّ القدير.

 

   والشّواهد القرآنيّة في ذلك كثيرة ، نذكر منها ما يلي: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ¤ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً64-65 النساء.

فمادام النّفع معلومًا من الله بسبب المجيء إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ويتأكّد ذلك باستغفاره لنا ، فالمجيء في الحالتين على من استطاع: في حياته أو بعد انتقاله ، لأنّ أصل النّفع مِن الله ، والله حيّ لا يموت ، والفضل منه مُستمدّ للأحياء وللأموات على حدّ السّواء.

 ويمكن أن نقسم المجيء إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على نوعين:

- المجيء الحسّي: كالزّيارة إلى حرمه والوقوف على مقامه والصّلاة والسّلام عليه ، وكثرة الاستغفار ، وسؤاله الاستغفار لنا... وما إلى ذلك.

- والمجيء المعنوي: الّذي ينتج عن كثرةِ الشّوق والمحبّة والتّقدير والتّعظيم والتّعلُّق به ، حتىّ يشعر المرء بالهمّة وكأنّه بحرمه ، بل وكأنّه معه شخصيّا لشدّة التأثّر به وفعلا ينال بذلك مددا منه بإذن الله تعالى.

 

    فالهمّة أبلغ وأسرع مجيئًا واتّصالا به لزيارته أينما كان مقامه في الأرض أم في السّماء ، وجاء في الأثر: ( لو تعلّقت همّة المرء بما وراء العرش لناله ). وإنّ هذا الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم نفعه دائم ورحمته متواصلة حيًّا أو ميّتًا يؤخذ ذلك مِن قوله تعالى: "واستغفر لذنبك وللمؤمنين" فإن فهِمْنا أنّ استغفاره ينفع المؤمنين إلاّ في زمان حياته فهذه إساءة مِنّا ، ونقول فما للمؤمنين إذن بعد انتقاله والحال أنّه رحمة للعالمين في أيّ مكان أو زمان ، وهو الّذي يُصلّي علينا كما يؤخذ مِن قوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ 103 التوبة. كيف لا نسأل الرّسول سيّدنا محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم ليُصلِّيَ علينا ؟ لأنّ صلاته سكن لنا ، ولربّما الصّلاة هنا إشارة إلى الدّعاء لنا بالخير والبركة والاستغفار والرّضا والرّضوان من الله الودود. ﴿وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ 46 الأحزاب. ليوحّدوه ذاتًا وصفاتٍ وأفعالاً. ثمّ قد يكون داعيا إلى الله ليرحم المؤمنين ويقضي حاجاتِهم.

    وقد جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه: (لن تَخْلُوَ الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرّحمـٰن ، فبهم تُسقـون ، وبِهم تُنصرون ، ما مات منهم أحد إلاّ أبدل الله مكانه آخر) رواه الطبراني في الكبير. إذن فأين هو خليل زماننا لنستغيث به ؟! فالمقرّبون مِن عباد الله مجهولون بين خلقه إلاّ مَن يسَّرَ الله لهم ذلك وهم قليلون ، وهذا مِن حِكمته سبحانه وتعالى.

  وجاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: (خلقتُ الخير وأجريتُه على يد  أُناسٍ ، فطوبى لمن خلقتُه للخير وأجريته على يديه) رواه الطبراني.

فأمثال هؤلاء الرّجال المحسنين ، لنا بِهم توسّلٌ كريم ونفع عظيم ، ونحن بِهم نستنصر وبِهم يُصرفُ السُّوء عنَّا ، رغم أنّهم في حاجة إلى ما نحن في حاجة إليه من الله. فما بالك بنبيّنا ورسولنا سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الّذي هو أوْلَى بنا من أنفسنا كما ذكر القرآن. وهو الّذي اجتمعت لنا فيه صفات الكمال من الرّسالة والنّبوّة والقرابة ، كما جاء في قوله صلّى الله عليه وسلّم: (آل محمّد كل تقيّ) رواه الطبراني عن أنس رضي الله عنه. زيادة على ما جاء بالكتاب والسُنّة أنّه: الأوّل ، الآخر ، الظّاهر ، الباطن ، الرؤوف ، الرحيم ، الحقّ ، البشير ، النذير ، الشهيد ، الشاهد ، المهيمن ، الأمين ، الكريم ، النور ، العليم ، الشكور ، الحرز... وهلمّ جرّا.

 

وضمّ الإلـٰه اسم النّبيّ إلى اسمـه    إذ قال  في الخمْس المـؤذّن أشهدُ

وشـقّ  لـه من  اسمـه  لِيُجِلَّـــه    فذُو العرش محمودٌ وهـذا محّمـــد

 

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يجلس قوم مجلسًا لا يُصلُّون فيه عليّ إلاّ كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنّة ، لما يرَوْن من ثواب الصّلاة عليّ) رواه النسائي.

    إذًا أيّها الناس !.. بل أيّها المسلمون !.. بل أيّها المحسنون !.. بل أيّها الآمرون !.. فأيّ دخْل للشّرك على من أحبّ الرّسول وأكثرَ من الصّلاة عليه وتعلّق به لقضاء حاجته في الدّنيا أو في الدّين ؟ فهو صلّى الله عليه وسلّم الّذي بفضل الله نبع الماء من بين أصابعه ، وكثُر الطّعام وزكا ببركته ، وشُفيَ المريض بلمسه ، وكمْ وكمْ من معجزات... وقد سُئلتْ عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: "كان خُلقه القرآن ، والقرآن فيه أوصاف الرّحمـٰن" إذْ كادت أن تقول لنا ، بل أشارت إلى أنّ خُلق الرّسول هو خُلق الله سبحانه وتعالى. وأين مؤمنو زماننا اليوم مِن خلُق القرآن وأوصاف الرّحمـٰن ؟! رغم أنّ القرآن كتابهم و الرّحمـٰن جلّ جلاله ربّهم !

 

    إنّ نبيّنا ورسولنا سيّدنا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كان كما قالت أمّنا عائشة رضي الله عنها خُلُقه القرآن ، وهذا صحيح للغاية ، وأصله مِن نور وفرعه صلّى الله عليه وسلّم كصفة بشرية من تراب كما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قـال: (النّاس بنو آدم ، وآدم من تراب) رواه الترمذي.

 وقال الله تعالى:

   - ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ 59 آل عمران.

   - ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ 20 الروم.

ثمّ إنّ التّراب من الأرض الّتي هي من نور الله ، أو نور الله هو الّذي منه الأرض: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ 35 النور.

    ووَصْفُه صلّى الله عليه وسلّم من وصْفِ الله تعالى ، فقد سمّاه بأسمائه ، ووصَفه بصفاته ، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى 17 الأنفال.

ونُطقه صلّى الله عليه وسلّم من نطق الله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ¤ إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى 3-4 النجم.

وفيْضه صلّى الله عليه وسلّم من فيض الله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ 40 النور.

وسرُّه صلّى الله عليه وسلّم من سرِّ الله تعالى: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً 113 النساء.

     فعندما نذكر محمّدًا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهذا شأن عظيم. لأنّ كلمة "محمّد" مرتبطة بالرّسالة ، وكلمة "الرّسالة" مرتبطة بالله عزّ وجلّ ، وهو صلّى الله عليه وسلّم القائم بِها بالله لله. فتعظيمُنا للرّسول يُمثّل تعظيمَ الله تعالى. وكلّما عظّمنا الرّسول زاد تعظيمنا للمولى عزّ وجلّ ، وهذا الأمر الّذي زكّاه تعالى وقال في شأنه: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً 63 النّور.

   وفعلاً ، ففيما ذكرناه من أوصافه كِفاية لمعرفة ارتفاع شأنه وعلوّ مكانه ، ولإيقاظ الغَفْلان واعتراف الغَلْطان ، ولا تطرّف ! ولا بدعة ! ولا شرك ! ولا كفر ! وليَتُبْ الخطاؤون إلى الله تعالى.

   ما لكم يا مسلمين خالفتم سُنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي أمر بها واختلفتم فيها ؟! وتعاديتُم من أجلها - منكم من قَبِلَهَا ومنكم من رَفَضهَا- فإنّ السُّنن ليست خاصّة للعلماء ليقومـوا بها كما يظنّ الكثير ، بل على كلّ مؤمن القيام بِها قدر الاستطاعة ، فما الدّاعي إذاً للتّضارب والتّخوّف والنّفور منها ؟!