مسيرة الدليل >> القرءان الحكيم >> مشروعيّة التّوسّل بالقرآن الكريم

مشروعيّة التّوسّل بالقرآن الكريم

إنّ التّوسّل بالقرآن الكريم والتّرحّم به جائز لأنّه يشفع يوم القيامة في أهله وأهل أهله. ونفعه عظيم في الدّنيا والآخرة على الأحياء والأموات ، وإن كان فيه خلاف ، فمن العلماء من لا يُجوّز ذلك حسب زعمهم استنادًا لقوله تعالى:

﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى 39 النّجم.

   ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ هذه الآية منسوخة ، ومن العلماء من يقـول: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى" من حيث الوجوب له. أمّا من حيث التّفضّل عليه فإنّ فضل الله عظيم يختصّ به مَن يشاء مِن عباده ، وقد يبلغ سعْي المؤمن لأخيه إذا تصدّق به عنه.

    قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ 10 الحشر. والأفضل مِن ذلك أن لا يقولوا فقط بل يفعلوا ما يستوجب لهم المغفرة كالتّصدّق عليهم ، ومِن بين الصّدقات فضل قراءة القرآن وأجره.

وعن بن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: (دعــوةُ المــرء المسلم لأخيه بِظَهر الغيب مُستجابة، عند رأسه مَلَك مُوكّل كلّما دعا لأخيه بخير قال المَلَك المُوكّل به: آمـين ولكَ بمِثلٍ) رواه مسلم.

 وعنه رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (ما الميّتُ في قبره إلاّ شبه الغريق المتغوّث ينتظر دعوةً من أبٍ أو أُمٍّ أو ولد أو صديق  ثِقةٍ . فإذا  أَلْحَقَتْهُ  ، كان أحبّ إليه من الدّنيا وما فيها. وإنّ الله عزّ وجلّ لَيُدخِل على أهل القبور من دُعاء أهل الدّنيا أمثال الجِبال . و إنّ هديّة  الأحياء للأموات الاستغفار لهم والصّدقة عنهم) رواه الدّيلمي.

    نعم ! إنّ قراءة القرآن على الأموات ولو لم يكن من عملهم فهو جائز وواصلٌ لهم -إن شاء الله- إذا تصدّق القارئ عليهم بأجر ما قرأه ، ولو أُعطِيَ القارئ أجرًا مادّيا مُقابل قراءته فلا حرج ، غير أنّه مِن المستحسن أن لا يكون مشروطا بمقابل لأنّه صدقة.

    وليكن في عِلمنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمَر بقراءة القرآن على الموْتَى ، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( اقرؤُوا على موتاكُم يـس) متَفق عليه.

أليست "يس" من سور القرآن الكريم ، لا فرق بينها وبين غيرها من السُّور القرآنيّة الأخرى إلاّ ما كان مُفضَّلاً ، وعلينا أن نُدرك هنا بالذّات أنّ إشارة الرّسول إلى قراءة سورة يس على الموتى ربّما هو من باب التّفضيل ، حيث خصّص ذِكرها لغزارة أجرها وخِفّة قراءتِها.

    عن أنس رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ لكلّ شيء قلبًـا وقلب القرآن يــس ، ومن قرأ يـس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشرة مرّات) رواه الدرامي.

    لو فرضنا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر بقراءة القرآن كلّه على الموتى فلربّما يكون ذلك شاقًا على القارئ أو القرّاء أو يصير عليهم فرضًا ، ومنّا مَن لا يقدر على ذلك ، وفي كثير من الأمور يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (مازال بكم الّذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم ، ولو كُتب عليكم ما قمتم به) رواه أحمد عن زيد بن ثابت.

   إذًا فلو قرأنا من القرآن الكريم الكثير أو القليل على موْتَانا فالأجر لهم واصلٌ بإذن الله تعالى باعتباره صدقة كبقيّة الصّدقات ويكون لنا من الأجر كذلك ما شاء الله ، إلاّ إذَا كان الميّت لم يُرِد الله به خيرًا عافانا الله وإيّاكم.

    ولا بأس كذلك إن جمعنا أناسًا قُرّاءً ثِقاة لهذا الغرض وأكرمناهم مجلسًا ومأكلاً ومشربًا وحتّى مالاً إن استطعنا لمن كان في حاجة إليه ، المهمّ أن يكون القرّاء ثقاة أهل خير وصلاح ، ونيّة كلّ قارئ التّصدّق بأجر ما فعله ترحّمًا على الميّت وابتغاءً لوجه الله الكريم ، ولو أنّ القرّاء لا يريدون التّصدّق بأجر قراءتهم فصاحب هذه المأدبة الدّينية له أجر على ذلك وله أن يتصدّق به على مَن يشاء.


الإحسان إلى
الصالحين

الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين...
اخترنا لكم


رحلة الى الجنة و نعيمها



في ظلال آية: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ