مسيرة الدليل >> القرءان الحكيم >> وجوب التّمـسّك بالقرآن الكريـم

وجوب التّمـسّك بالقرآن الكريـم

  إنّ القرآن الكريم هو دستور الله لعباده فيه كلّ ما يَحتاجونه لتنظيم حياتِهم الدّينية والدّنيوية والتّزود مِنْ ذلك لحياتِهم الأخروية الّتي قسّمناها إلى نوعين: حياة مُفلحين راجين وحياة مخذولين خائبين.

- فأهل حياة الفلاح هم أهل الجنّة الّذين عمِلوا بالدّستور القرآني بقدر الاستطاعة.

- وأهل حياة الخذلان هم أهل النّار الّذين رفضوا العمل بالدّستور القرآني وعمِلوا بالدّساتير الوضعية الّتي نبذت أحكامُها أحكامَ الله الواحد القهّار.

    والقرآن الكريم فرض والعمل بِما جاء به أوْكد وأعظم مِنْ جهة ما هو فرض كما جاء بالتنزيل الحميد:

﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ الآية: 58 القصص.

    لماذا اعتُبِر القرآن فرضا ؟ لأنّه تنظيم لضوابط الحياة في الدّارين كما ذكرنا. ودون دستور القرآن لا يمكن للنّاس أن يتعاشروا ويتعايشوا فيها باطمئنان ولا أن ينالوا مِنْ طيبها. ويطغى النّاس وتحدُث الفوضى بالمفاسد فيكون مثلُهم كمثل البهائم لا بل أكثر حيث لا يعرفون نافعا ولا ضارّا ، ولا خيرًا ولا شرًّا إلاّ ما كان مِنْ إشباع غرائزهم باتّباع الشّهوات البهيمية ،كما نرى عليه أغلب النّاس اليوم. فلا يُفكِّرون في آخرتِهم دار القرار والنّعيم ولا في ربِّهم عزّ وجل الّذي خلقهم مِنْ تراب ثمّ مِنْ نطفة ثمّ أمَرَهم أن يعبدوه. ولا يخافون مِنْ عذاب ولا مِنْ موت ولا مِنْ بعث ولا مِنْ نار. لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ الجبّار.

    فالرّجاء مِنْ كلِّ عاقل أن ينكّبَّ على مُزاولة قراءة وتعلُّم وتعليم القرآن العظيم للحفظ والفَهم والتّأويل والتّدبُّر والعمل بِمقتضى ذلك ليكون إنسانا مُكرّما عند ربِّه عارفا بكيفية حياته راغبا فيما عند ربّه في دنياه وآخرته ، مُنضبطا مع ربّه ومع خلقه لينال مرتبة التّكريم الّتي ذكرها الله في مُحكم التّنْزيل ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً70 الإسراء.

إذْ لا يتمّ هذا التّكريم والتّفضيل لولا القرآن الكريم. والقرآن نفسه هو مِنَ التّكريم والتّفضيل للإنسان. وإليكم مِنَ الآيات الكريمة بعض ما يدلّ على الْمُمارسة والفحص والتّنقيب للعمل بذلك:

-         ﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً58 مريم.

-         ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ  * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ 91/92 النمل.

-         ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ 29 ص.

-         ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ 45 العنكبوت.

-         ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ 23 الزمر.                    

-         ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 20 المزمل.

    الحمد لله الّذي جعل لنا دليلاً نتمسّك به حتّى لا نضِلّ كما جاء بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (تركت فيكم شيئين لن تضِلُّوا بعدهما: كتاب الله وسنّتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا على الحوض) للحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

    وفي حديث:(تركت فيكم ما لن تضِلُّوا بعدي إن اعتصمتم به: كتاب الله وعترتي أهل بيتي) لابن أبي شيبة والخطيب في المتفق والمفترق عن جابر رضي الله عنه.   

وعلى كلّ حال على المؤمنين أن ينكبّوا على القرآن قراءةً وحفظا وتطبيقًا ويتمسّكوا به مع السُنَّة الغرّاء لكسب خيرات الدُّنيا وطيِّباتِها والنّجاة والفوز في الآخرة بِجنّات النّعيم بدلاً مِنْ أن ينشغلوا وينكَبُّوا على الغفلات مِن مَلاهٍ وأسبابٍ للتّسلية والتّرفيه والمعرفة لغير الله وضياع الوقت الكثير في الانكباب على ارتكاب المعاصي بأنواعها والتَّجرُّؤ بالتّمرُّد على الله والتّطاوُل على محارمه مع العلم أنَّهم لن يَضُرُّوا الله شيئا. إنّما الضّرر يرجع عليهم في الدّنيا وفي الآخرة: ﴿إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 176 آل عمران.

    وبُشْرى لمن قاموا بحقِّ الله تعالى الّذين يقرؤون القرآن ويتهجّدون به ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً{78} وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً  78/79 الإسراء.

    إنّ القرآن الكريم أحسن الحديث أنزله الله تعالى على كلّ مَنْ آمن به أن يتحدّث بأحسن الحديث في أمور الدّنيا أو الدّين. وليعلم كذلك أنّ القرآن اشتمل على أمْرٍ ونَهْيٍ ووعد ووعيد وقصص ومُجادلة وأمثال فلا غِنىً عنه.

    عن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( ما أنزل الله عزّ وجل آية إلاّ لها ظهر وبطن ، وكلّ حرف حدّ وكلّ حدّ مَطْلع ). وقال حجاج عن الحسن تفسيرا آخر أنّه قال: ( الظّهر هو الظّاهر والبطن هو السرّ والحدّ هو الحرف الّذي فيه علم الخير والشرّ والمطْلع الأمْرُ والنّهْيُ ). الحديث أعلاه أخذناه عن كتاب القرآن الكريم تفسير وبيان الكلمات ( ص: 401 ).

-  قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( خياركم مَنْ تعلّم القرآن وعلّمَه ) رواه ابن ماجة عن سعد.

- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( أهل القرآن أهل الله وخاصّته ) عن أبي القاسم بن الحيدر في مشيخته عن علي كرّم الله وجهه.

- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( إن البيـت إذا قُرِئَ فيه القرآن حضرته الملائكة ، وتنكَّبت عنه الشّياطين ، واتّسع على أهله ، وكثُر خيره وقلّ شرُّه ، وإنّ البيت إذا لم يُقرأ فيه القرآن حضرته الشّياطين وتنكّبت عنه الملائكة ، وضاق على أهله وقلّ خيره وكثُر شرُّه ). رواه ابن أبي شيبة في المصنف ومحمّد بن نصر عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.

- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:( تبرّك بالقرآن فهو كلام الله تعالى) للطبراني في الكبير عن الحكم بن عمير رضي الله عنه.

- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:( إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين ) رواه مسلم وابن ماجه عن عمر رضي الله عنهما.

- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:( يأتي على النّاس زمان يتعلّمون فيه القرآن فيَجمعون حروفَه ويُضيِّعون حدودَه ، ويل لهم ممّا جمعوا ، وويل لهم ممّا ضيّعوا إنّ أوْلى النّاس بِهذا القرآن مَنْ جمعه ثمّ رُؤيَ عليه أثره ) أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما.

- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:( الزّبانية إلى فسقة حملة القرآن أسرع منهم إلى عبدة الأوثان ، فيقولون: يُبدأ

بنا قبل عبدة الأوثان ؟ فيُقال لهم: ليس مَنْ يعلم كمَنْ لايعلم )للطبراني في الكبير عن أنس رضي الله عنه.

- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:( لا تماروا في القرآن فإنّ الْمِراء فيه كفر) للطبراني في الكبير عن زيد بن ثابت الحسن بن سفيان عمرو بن العاص رضي الله عنهم وقيل إنه تابعي.

- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:( يُمثَّل القرآن يوم القيامة رجلاً فيؤتى بالرّجل قد حمله فخالف أمْرَه ، فينتشل له خَصْمًا فيقول: ياربّ حمّلْته إياي فبئس حامِلي ، تعدَّى حدودي ، وضيّع فرائضي ، وركِب معصيّتي ، وترك طاعتي ، فما يزال يَقْذف عليه بالحجج حتّى يُقال فشأنك ، فيأخذه بيده ، فما  يُرسله حتّى يَكُبَّه على مَنخره في النّار، ويُؤتى بالرّجل الصّالح قد كان حمله وحفظ أمْرَه فينتشل له خَصْما دونه فيقول  ياربّ ! حمّلته إيّاي فحفظ حدودي وعمل بفرائضي ، واجتنب معصيّتي واتّبع طاعتي ، فما يزال يَقذف له بالحجج حتّى يُقال له شأنك به ، فيأخذه بيده فما يُرسله حتّى يُلبِسه حُلّة الإستبرق ويعقِد عليه تاج الملك ، ويسقيه كأس الخمر )أخرجه ابن أبي شيبة وابن الضريس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه.

    الرّجاء مِنَ القرّاء وحاملي القرآن الكريم والعلماء به أن يُبَيِّنوا للنّاس ما نُزِّل مِن الله إليهم وأن يعلَموا حقّ العلم أنّ التّبْيان فَرضٌ عليهم كما جاء بالآية:

-﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ 44 النحل.

-﴿ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ 187 آل عمران.

 


الإحسان إلى
الصالحين

الإحسان إلى الصّالحين يـُـــــكسِب صاحبه درجات اليقين...
اخترنا لكم


رحلة الى الجنة و نعيمها



في ظلال آية: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ